استفاق سكان المنطقة الأولى في مدينة سيداد دل استي (الباراغواي) فجر الاثنين، على حدث لن يُمحى من ذاكرة الناس الذين عاشوا للمرة الأولى هلع حرب اندلعت دون سابق إنذار: إطلاق نار كثيف، تفجيرات متنقلة، وأكثر من 13 آلية تحترق
سيداد دل استي | لم يدرك القاطنون في تلك المنطقة الراقية في الباراغواي حقيقة ما حدث إلا بعد خمس ساعات من الاشتباك المستمر الذي حوّل شوارعهم الحديثة إلى ساحة مواجهة حقيقية كانت حصيلتها عملية سطو هي الأكبر في تاريخ البلاد والتي أسفرت عن سرقة أربعين مليون دولار من مقر شركة «برو سيغور» وقتل شرطي وجرح ثلاثة آخرين، فيما لم تسجل أي إصابة في صفوف المهاجمين الذين بلغ عددهم ستين مسلحاً، بحسب تقرير الشرطة الوطنية.
لم تكن الساعات الخمس التي قضاها المهاجمون في ساحة المعركة كفيلة بفشل مهمتهم. استطاعوا الانسحاب بسلاسة، تاركين وراءهم عدداً من الآليات بعدما استقلوا سيارات مصفحة كانت مجهزة مسبقاً للفرار. أما وجهتهم، فكانت الحدود البرازيلية التي يفصلها عن الباراغواي نهر بارانا الشهير، وقد استقلت إحدى المجموعات قارباً مجهزاً نقلهم إلى قرية «إيتايبولانديا» البرازيلية حيث خاضوا اشتباكات عنيفة مع الشرطة الفدرالية بعدما استولوا على عربة تابعة للشرطة، ما لبثت أن استعادتها بعد ساعات من المطاردة التي أسفرت عن سقوط ثلاثة قتلى وأوقفت ثمانية، العدد الأكبر منهم كان مصاباً. ومساء أمس، كانت عمليات الاستقصاء والبحث عن بقية أفراد المجموعة الذي يفوق عددهم خمسين مسلحاً، مستمرة، فيما ترجح المعلومات الأمنية بقاء الجزء الأكبر داخل الباراغواي وبحوزتهم المال المسروق.
تكشف المعلومات الأمنية التي لا تزال قيد السرية أن العملية التي نفذها «اللواء الأول للعاصمة» كانت شديدة التنظيم من حيث الرصد والأداء والانسحاب، وكان في كامل جاهزيته القتالية، الأمر الذي أتاح له احتلال منطقة بأكملها وسد منافذها خلال ساعات طوال. وجرى ذلك في وقت بدت فيه الأجهزة الأمنية المحلية عاجزة عن التعاطي مع هذا الحدث، رغم الوقت المتاح الذي كان يسمح باستقدام تعزيزات أو حتى طلب المؤازرة من البرازيل التي تبعد عن المكان المستهدف بضعة كيلومترات فقط. وهذا ما يثير التساؤلات حول تورط بعض الأمنيين في تغطية هذه العملية التي وضعت أمن الباراغواي على المحك.
تقول المصادر الأمنية لـ«الأخبار» إن انتقال مجموعة من التنظيم البرازيلي الخطير الذي قام بعمليات مماثلة في السابق، أهمها إثارة الفوضى في شوارع ساو باولو عام 2006 وحرق شوارعها وعودته اليوم لتنفيذ عملية كبيرة في الباراغواي أتبعها باشتباكات عنيفة مع الشرطة البرازيلية دامت لساعات طوال، يُعدُّ إنذاراً شديد الخطورة وتطوراً غير مسبوق في عمل المنظمات الإجرامية التي باتت تتعاطى كجيوش حقيقية. وينظر الأمنيون بقلق شديد إزاء النتيجة «المرّة» التي كشفتها العملية الأخيرة والتي تشير إلى جدية هذه العصابات في العمل الحثيث على إنتاج تشكيلات عسكرية محترفة عابرة للحدود. وعليه، فإن اختيار الأهداف ارتقى إلى مستوى تهديد الأمن القومي والاقتصادي، ما قد يوجب إعلان حالة الطوارئ داخل الأجهزة الرسمية والاستعجال في وضع استراتيجية عملية لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد أمن البرازيل وجيرانها على حد سواء.
الارتدادات الخطيرة لعملية السطو الأخيرة في الباراغواي والاشتباك العنيف في الأراضي البرازيلية، استنفر القيادات السياسية على أعلى مستوياتها. فانبرى الرئيسان البرازيلي ميشال تامر، والباراغواياني أوراسيو كارتس، إلى قطع نشاطاتهما السياسية واستدعاء الخبراء العسكريين الذين همسوا لهما بالواقع السلبي للقوى الأمنية مقابل تطور ملحوظ للمنظمات الخارجة عن القانون. وهذا الأمر دفع تامر إلى وضع كل المقدرات العسكرية والمعلوماتية في تصرف الدولة الجارة التي تعيش أسوأ أزماتها الأمنية في التاريخ الحديث.
وتشير المصادر الأمنية لـ«الأخبار» إلى أنّ التكتيك الحربي الذي استخدمه المسلحون من خلال المناورة وتقسيم المجموعات (انتقل بعضها إلى البرازيل للتمويه وبقي القسم الأكبر منها داخل الباراغواي)، يؤشر إلى أن الأمر يتخطى اشتباكاً بين عصابة سطو وشرطة محلية. فهو يوضح رداءة المشهد الحالي، وخاصة أن هذه التنظيمات تستغل الفساد المستشري داخل الأجهزة في كلا البلدين، وتستحصل على معلومات شديدة الخطورة، كما أن حجم المكاسب المالية التي يجنيها المسلحون من عملياتهم كفيلة بتجهيزهم وتأمين عتاد عسكري حديث ظهر جلياً في العملية الأخيرة. ويخلص المصدر إلى وجوب دراسة هذا الحدث بدقة استعداداً لحرب حقيقية لا لبس فيها.