تأتي زيارة البابا فرنسيس إلى القاهرة في توقيت حساس بالنسبة إلى المؤسسة الدينية في مصر، خاصة بعد العمليات الإرهابية المتنامية ضد الأقباط. وحملت زيارة بابا الفاتيكان في يومها الأول إشارات إلى دور هذه المؤسسة في وضع حدٍّ للعنف، إضافة إلى رسالة تقارب مع الكنيسة القبطية
القاهرة | حلّ البابا فرنسيس ضيفاً على مصر يوم أمس، في زيارةٍ هي الأولى حملت عناوين عدة، دينية وسياسية. ورغم عدم خروجها عن خطاب الفاتيكان المعروف في قضايا الإرهاب والعنف، حملت تصريحات البابا كلاماً مهماً عن دور رجال الدين في «كشف العنف المُرتكب باسم الدين والله»، وهو ما يأتي في صلب النقاش المُثار في القاهرة اليوم، عن دور الأزهر في تجديد الخطاب الديني والحدّ من الإرهاب والتطرف.
وتتّسم الزيارة بأهمية كبيرة، لكونها تأتي بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من التفجيرين اللذين استهدفا كنيستين، ما أثار في حينه افتراضات بإلغائها استجابةً لمخاوف أمنية.
وفور وصوله إلى القاهرة، شارك البابا فرنسيس في الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام برئاسة شيخ الأزهر، وزار الكاتدرائية المرقسية في العباسية. وشهدت أجندة البابا أمس أيضاً لقاءً موسّعاً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، وهو اللقاء الثاني الذي يجمعهما بعد زيارة السيسي للفاتيكان عام 2014 خلال جولته الأوروبية.
ومن المقرر أن يترأس البابا فرنسيس «قداساً ضخماً» في ستاد الدفاع الجوي وسط إجراءات أمنية مشددة، خلال زيارته التي تستمر يومين. ويوم أمس، انتقد البابا العنف الذي يؤدي إلى الشر والعنف، مؤكداً «رفض الرسالات الإلهية العنف وحرصها على كرامة الإنسان». وأشار فى كلمته، في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، إلى أن مستقبل البشر يعتمد على الحوار بين الأديان والثقافات، «وهو ما تقوم به لجنة الحوار بين الأزهر والفاتيكان، وتقوم على أداء الواجب بشجاعة وإخلاص والحفاظ على الهوية بعيداً عن الغموض وعدم الصراحة». وأكد البابا ضرورة رفض البربرية التي تدعو إلى العنف، قائلاً: «إننا مسلمين ومسيحيين مدعوون للمساهمة فى التعاون في إطار من الأخوّة، موجّهاً الشكر إلى الإمام الأكبر لتنظيم المؤتمر والدعوة إليه»، ومؤكداً مسؤولية رجال الدين في كشف العنف الذي يظهر ويقدم نفسه تحت غطاء ديني، كذلك طالب بـ«كشف حقيقة ذلك وكل صور الكراهية التي تعارض حقيقة كل الأديان التي تدعو إلى السلام ونبذ أي شكل من أشكال العنف باسم الله».
وقال البابا إن مصر «رعت الحضارات والثقافات المختلفة، وأكدت أهمية الاعتراف بالغير، ما ترك أثراً واضحاً في تقدمها في جميع المجالات، منها الرياضة والعمارة وكل فروع المعرفة والتعليم، مثنياً على الشعب المصري وسعيه للبحث عن السلام»، ومؤكداً أهمية تعليم الشباب وتلبية احتياجاتهم الأساسية من أجل نشر السلام.
من جهته، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي لم تكن كلمته، بحسب البعض، على مستوى الحدث، إنه لا حل للمشاكل التي يعاني منها العالم إلا من خلال «إعادة الوعي برسالات السماوات»، مشدداً على ضرورة العمل على «تنقية صورة الأديان ممّا علق بها من فهم مغلوط، أي أشياء تحثّ على العنف، والتأكيد على القيم الأخلاقية في الأديان وإبعاد أي دعاوى للعنف أو الإرهاب عنها».
وأضاف «ليس الإسلام أو المسيحية أو اليهودية دين إرهاب، وإن كل الأعمال التي يتم القيام بها باسم تلك الأديان بعيدة جداً عن قيم تلك الأديان»، قائلاً إن المسيحية ليست دين إرهاب «بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح لا يفرّقون بها بين رجل وامرأة وطفل ومقاتل وأسير». كذلك، أعرب شيخ الأزهر عن تقديره لتصريحات البابا المنصفة التي تدفع عن الإسلام والمسلمين تهمة الإرهاب.
وشهدت الزيارة «التاريخية» للبابا توقيع اتفاق مع بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني ينهي الخلاف بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية حول إعادة «سر المعمودية»، بحسب ما أعلن المجمع المقدس في بيان رسمي، في خطوة تعزز التقارب بين الكنيستين، إذ إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت تشترط تكرار سر المعمودية للمسيحيين الراغبين في الانضمام إليها من الكنائس الأخرى، باعتبارها لا تعترف بطقوس معموديتهم الأولى، حيث كان البابا الراحل شنودة الثالث يرى أنه «يجوز تعميد شخص مرة أخرى طالما لم يعمّد بطقس أرثوذكسي».