بعد أشهر على انطلاق عمليات استعادة محافظة نينوى ومدينة الموصل في شمال العراق، يبدو أنّ «الحشد الشعبي» بدأ يُعدّ لإطلاق عملياته في غرب البلاد، عند الحدود مع سوريا، وهي المنطقة التي يتسابق الجميع للسيطرة عليها، لما لها من أهمية إقليمية في الوقت الحاضر.

وبعدما سيطرت قوات «الحشد» في الأيام الماضية على قضاء الحضر الواقع في جنوب غرب الموصل، تقاطعت عدة مؤشرات تفيد بأنّ معارك القضاء ليست إلا مقدّمةً لعمليات أخرى قرب الحدود. وهذا ما يؤكده مسؤولون في «الحشد» إلى «الأخبار»، فيما يضيف أحدهم أنّ «المعارك ستنطلق في الساعات القليلة المقبلة، باتجاه الحدود العراقية ــ السورية».
ويحظى قضاء الحضر بأهمية ميدانية لاعتبارات عدّة، أهمها موقعه الجغرافي الذي يشكّل نقطة التقاء بين ثلاث محافظات، هي: نينوى، وصلاح الدين، والأنبار. إضافةً إلى ذلك، فإن مدينة الحضر تقع على أطراف الطريق المؤدّي إلى مدينة الموصل، الأمر الذي يشكّل تهديداً للقوات العراقية إذا ما تركتها بيد مسلحي «داعش»، الذين سيتخذون من الحضر قاعدة انطلاقٍ لعمليات أمنية ــ عسكرية. ورغم المسافة الكبيرة التي تفصل الحضر عن الحدود، فإن استعادتها ليست سوى مقدّمة للتوجّه إلى الحدود.
وعلى الصعيد العسكري، فإنّ أهمية عمليات «ما بعد الحضر»، تتمثل في ضرورة إمساك المناطق التابعة للقيروان والبعاج (تقعان جنوب غرب الموصل أيضاً، وهما قريبتان من الحدود)، باعتبارها جيوباً لمسلحي «داعش»، ولا يمكن القوات المتقدّمة أن تترك ثغرةً، قد يشكّل إغفالها كارثة عليها. ولعلّ الأهم أنّ البعاج تُقابلها من الجهة السورية محافظة الحسكة التي تُهيمن عليها قوى كردية تُعدّ اليوم منسجمة مع العمل الأميركي في الشرق السوري، وبذلك يقطع «الحشد» في هذه النقطة التواصل الجغرافي الذي يسعى إليه الأميركيون بين سوريا والعراق.
أما في خلفية المشهد، فإنّ «أصل العملية، أننا نريد الذهاب إلى الحدود السورية، ونريد الذهاب قبل الأميركيين»، يقول أحد قادة «الحشد» في حديثه إلى «الأخبار»، مشيراً إلى أن «الأميركيين يريدون استغلال الصحراء، والوضع مع سوريا، لإنشاء قواعد عسكرية جديدة». وبرغم أنّ الأميركيين بات لديهم النفوذ الكافي على عدد من نقاط الحدود الممتدة مع سوريا لنحو 605 كيلومترات، وخاصة في الجنوب بالقرب من المثلث الحدودي مع الأردن وسوريا، وشمالاً غرب مدينة الموصل وفي شمالها، فإنّ المنطقة الوسطى التي تشتمل على نقاط ذات أهمية ميدانية بالغة، مثل «معبر القائم» الحدودي، يبدو أنّ الصراع عليها قد بدأ لتوّه. ويسعى الأميركيون، انطلاقاً من قاعدة عين الأسد في الأنبار، بالتعاون مع قوى محلية، إلى التوجه نحو معبر القائم والمشاركة في عمليات غرب الأنبار، بهدف تثبيت قاعدتين جديدتين في تلك المنطقة القريبة من دير الزور في سوريا.
وتبدي قيادة «الحشد» تخوّفها من النيات الأميركية، بينما يشير القيادي في «عصائب أهل الحق» محمود الربيعي، إلى أنّ «الأميركيين يسعون جاهدين إلى إبعاد الحشد عن الحدود»، مؤكداً في حديثه «المخطط الأميركي لإقامة قواعد عسكرية في صحراء نينوى وفي جنوبها (الأنبار)».
وفي أحاديث إلى «الأخبار»، يلفت عدد من المصادر المطلعة إلى أنّ «الأميركيين يمارسون ضغوطاً على رئيس الوزراء حيدر العبادي، كي يرفض وصول بعض فصائل الحشد القريبة من محور المقاومة، دون غيرها، إلى المنطقة الحدودية، إضافة إلى الضغوط السابقة التي تمنع الحشد من السيطرة على قضاء تلعفر». وتندرج تلك الضغوط في خانة الحديث عن «عودة الأميركي إلى البلاد»، وهي عودة تتكرس من خلال القواعد الأميركية غربي الأنبار، أو من خلال الانتشار العسكري الأميركي عبر الجنود أو عبر الشركات الأمنية على أطراف محافظات ديالى، وصلاح الدين، ونينوى، وصولاً إلى مثلث الحدود جنوباً مع الأردن، وسوريا، في وقت يستخدم فيه الأميركيون ذلك الحضور، وخاصة عند المناطق الحدودية، بهدف كسر التواصل الجغرافي بين قوى «محور المقاومة».
ويمكن فهم تلك الضغوط الأميركية على رئاسة الوزراء العراقية أكثر، حين يشرح مصدر سياسي لـ«الأخبار»، أنّ «عمليات الحشد المرتقبة في مناطق قرب الحدود، تعكس في مكان ما حرباً شرسة تقودها فصائل في الحشد، ضد التوجه الأميركي ومن ينسجم معه في العراق وسوريا». وفي هذا السياق، يشدد مصدر مطّلع على أن «أي عملية في جزيرة نينوى وغربي الأنبار، من قبل الحشد أو الأميركي، هي سباق إلى الحدود»، مضيفاً أن «الحضور في تلعفر سباقٌ أيضاً، والتحرك باتجاه البعاج سباقٌ أيضاً... كل ما يجري هو سباق إلى الحدود».
من جهة أخرى، لن تكون منطقة مسؤولية «الحشد» المقبلة «سهلة» من الناحية العسكرية، فهي تمتد من غرب الموصل إلى محيط تلعفر، ومن الحضر باتجاه الحدود، مروراً بالقيروان والبعاج. وهذه الرقعة الهائلة التي تفوق مساحتها الآلاف الكيلومترات المربّعة، تشكّل هاجساً لدى عددٍ من قادة «الحشد»، لناحية احتمال تكرار سيناريو ما حصل سابقاً في تلعفر. لكن هؤلاء يُبدون «تفاؤلاً» راهناً، نتيجة طمأنات حصلوا عليها من «العبادي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفيّاض، الذين أكّدا أن الحشد سيمضي بعملية تحرير وتأمين الحدود». وحتى إذا صحت تلك «الطمأنات»، فإنّ قائداً بارزاً يقول: «إننا لا نستطيع التنبؤ بما يريده العبادي حتى الآن».
رواية عن «خيار الحضر»

ترى فصائل في «الحشد» أنّ الأميركيين يريدون من الصراع الميداني في العراق اليوم تثبيت المناطق التي يخسرها «داعش» بيد الفصائل المنسجمة معهم ومع أنقرة. وبناءً على ذلك، لا بد أن يسعى الأميركيون والأتراك إلى «تأجيل أي معركة، قبل أن يضمنا من سيمسك بالأرض». ومن باب تأكيد ذلك، يشير البعض إلى زيارة السفير الأميركي لدى بغداد دوغلاس سيليمان، لرئيس الوزراء حيدر العبادي، قبل أيام. وفيما أشاد «بانتصارات القوات العراقية في غرب الموصل»، فإنه «حذّر في الوقت نفسه من حماقة قد ترتكبها أنقرة ضد القوات العراقية في محيط تلعفر». وقد فُسّر التحذير بأنه «رسالةٌ أميركية مبطّنة إلى العبادي»، تدعوه إلى صرف النظر عن استكمال العمليات في محيط تلعفر، باعتبارها معركة ذات حسابٍ إقليمي، والبحث عن خياراتٍ أخرى. وفي خضم اجتماعات عُقدت بين أطراف حكومية و«الحشد»، كان رأي قيادات في «الحشد» أن قواتها قد أنهت استعدادات الهجوم، وتنتظر أمر العمليات لاستكمال مراحل إحكام الحصار حول تلعفر، إلا أن «الفيتو الحكومي» الداعي إلى تأجيل «صفحة تلعفر»، والبحث عن خيارٍ آخر «برّر خيار قضاء الحضر، كمنطقة عمليات مقبلة»... الأمر الذي تنفيه مصادر حكومية رفيعة.

المصدر: نور أيوب, محمد شفيق - الأخبار