«حق تقرير المصير في إسرائيل محفوظ لليهود فقط»، بهذه الكلمات اختصر آفي ديختر (رئيس سابق لـ«الشاباك») مرحلة ما بعد «قانون القومية» الذي قدمه، قبل أن يُصدّق عليه أخيراً بالقراءة التمهيدية في الكنيست بغالبية 48 صوتاً ومعارضة 41 آخرين. هكذا تُفرض «ديموقراطية» العدو تشريعاً، وتجري «دسترة» للعنصرية في تجلياتها كافة برسم «القانون»
تحوّل الصرح الضخم لمبنى الكنيست في مدينة القدس المحتلة إلى كتلة نار. بدأ ذلك بمجرد طرح «قانون القومية» للتصويت عليه أخيراً، لتنهال ردود الفعل المعارضة من نواب «القائمة العربية المشتركة»، وفي مقدمهم النائب عن حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» جمال زحالقة، الذي مزّق نص القانون أمام الحاضرين، ما تسبب في طرده وإخراجه من المبنى.
وبرغم تعرض فلسطينيي الـ 48 يومياً لأنواع الممارسات العنصرية في مجالات حياتهم، لم يكن هناك قبل الآن قانون يشرع هذه الممارسات، ويكرس الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، على أساس أن الأخيرة «ملك للشعب اليهودي وحده».
بالنسبة إلى زحالقة، هذا «أخطر القوانين التي طرحت في العقود الأخيرة، وهو بمنزلة إعلان حرب على المواطنين العرب الفلسطينيين في الداخل وعلى مكانتهم وحقوقهم الأساسية». ويوضح في حديث إلى «الأخبار»، أن القانون «في بنده الأول يشدد على أن الدولة هي للشعب اليهودي، وله وحده حق تقرير المصير فيها، وهذا المبدأ هو فوق كل القوانين وكلها تخضع له وتفسر بموجبه». ويضيف: «القانون ليس محدوداً أو مقيّداً في مجال معيّن، بل يمنح الشرعية للتفرقة العنصرية في مجالات الحياة كافة، ويؤسس به رسمياً لنوعين من المواطنة: واحدة لليهود وأخرى للعرب الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين».
وتابع النائب العربي أن «قانون القومية نُسخ عن قوانين الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، وهو ينص صراحة على منح شرعية قانونية لبلدات مخصصة لليهود فقط يحظر على العرب الوجود فيها، بالضبط كما كان في جنوب أفريقيا». ويرى أن أحد أهداف القانون «منع تطبيق حق العودة على أساس أن الدولة لليهود فقط، وهو بذلك ينسف أيضاً الحقوق القومية والمدنية لفلسطينيي الداخل ويرسخ البنية الاستعمارية لنظام الدولة اليهودية».
لم يكن التصديق بالقراءة التمهيدية على «قانون القومية» في هذا التوقيت بالذات محض مصادفة. يقول المحامي يامن زيدان، إن «القانون طُرح على الكنيست بين 2009 و2012، ثم طرح عام 2013 و2014، وها هو يطرح اليوم مجدداً».
لماذا الآن؟ يجيب زيدان، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «اعتدنا مع أي حكومة، كلما دخلت في مأزق، تحاول إثارة قضايا محددة بربطها إما بإيران وحزب الله كخطر أمني محدق، أو قضايا مرتبطة بفلسطينيي الداخل». ولذلك «صُدّق على قانون القومية في هذا التوقيت المشبوه لكونه يمسّ مباشرة فلسطينيي الـ 48»، مشيراً إلى أن «قانون أساس الكنيست الذي أقر سنة 1958 وقانون كرامة الإنسان وحريته، الذي أقر سنة 1992، ينصان على يهودية الدولة».
إذاً، ما الذي يمايز القانون الجديد؟ يجيب الكاتب الفلسطيني سليم سلامة أن «قانون القومية ينص على أن دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي، وأن الحق في تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي»، موضحاً أنه «قانون بالغ الأهمية لكونه يشكل اعترافاً رسمياً وصريحاً من إسرائيل بأنها دولة عنصرية تعتمد التمييز العرقي، إن لم يكن الفصل العنصري التام بصيغته المعروفة». ويرى سلامة في حديث إلى «الأخبار»، أن خطورة القانون نابعة من أنه «يقونن السياسة الإسرائيلية المطبقة فعلياً على أرض الواقع في تعامل الدولة وأذرعها المختلفة مع الفلسطينيين المواطنين فيها. والنص القانوني سيشكل جزءاً لا يتجزأ، بل أساسياً، من كتاب القوانين الإسرائيلي، وذلك للمرة الأولى منذ إعلان الدولة».
يشرح الكاتب الفلسطيني أنه «منذ نشأة الكيان الصهيوني يعاني فلسطينيو الداخل سياسة التمييز والنهب والمصادرة والاضطهاد في مختلف المجالات... دون أن تكون هذه السياسة مثبتة في نصوص رسمية»، وذلك لأن «إسرائيل حاذرت طوال الوقت من انعكاس هذه السياسة، المطبقة فعلياً على أرض الواقع، في أي من وثائقها الرسمية، وخصوصاً القانونية»، موضحاً أنه «في المرات القليلة التي تسربت فيها وثائق سياسية وكشف النقاب عن كونها وثائق عنصرية، في مجالات محددة، وجدت إسرائيل نفسها في وضع حرج جداً، على الصعيد الدولي أساساً، لكن أيضاً على الصعيد القضائي المحلي، إذ وجدت المحاكم نفسها في ورطة غير سهلة: السلطات الحكومية (المخولة) تنفذ سياسة عنصرية ـــ في مجال عيني ما ـــ من السهل جداً تبريرها وتسويغها، سياسياً و(شعبياً)، لكن لا إسناد لها في أي نص قانوني».
ويخلص سلامة إلى أن «قانون الدولة القومية اليهودية هو قوننة لبعض ما يكابده الفلسطينيون في هذه البلاد في الواقع المعيش منذ إعلان الدولة، ولهذا، إن الضرر المحتمل عليهم منه هو ضرر ضئيل جداً إذا ما قورن بالضرر الجسيم المؤكد الذي سيجلبه على (يهودية) الدولة، بعد أن يتفكك بما تبقى من ديموقراطيتها المدعاة... مزيلاً آخر الأقنعة عنها، فينهي عيد المساخر المتواصل منذ عقود».