بكثير من المشاعر والأحاسيس المفعمة بالأمل والمحبة والسعادة، ومن داخل سجنه الصغير وبعد أول جلسة من جلسات المحكمة، شرع الشيخ علي سلمان في البدء بكتابة "مرافعة وطن"، وهو نص مرافعة زعيم المعارضة البحرينية أمام القضاء البحريني الصادر عن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ، والذي وقع في تسعة فصول بعد إيراد كلمة للجمعية، ورسالة إلى القضاء البحريني.

تمثل هذه المرافعة جزءاً من سيرة ذاتية نضالية سياسية فكرية للطريق الطويل للمملكة الدستورية، كما عاشه الشيخ علي سلمان منذ التسعينات حتى اللحظة الراهنة المفتوحة على المحتمل من الخواتيم، حيث كتب فصلاً من سيرة الوطن في صيغة مرافعة..

وتحت شعار "إلى شعبي"، وتحت زخم الإحساس بالارتياح والطمأنينة الفائقة والقوة النابعة من الإيمان، توجه الأمين العام لجميعة الوفاق الوطني إلى شعبه الذي اختاره بوعي الحرية السياسية ومثل إرادته التعاقدية لا عقدته التاريخية.

إنها مرافعة الشعب بصوت من يمثل أعلى قيادة سياسية شعبية حصدت أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات لمختلف انواعها. إنه ينطق باسمه جميعاً..

يفتتح سماحة الشيخ سلمان برسالة موجهة إلى القضاء ويلخص فيها السبب الذي كتبت هذه المرافعة لأجله قائلاَ: "تتعرض هذه المرافعة لطبيعة الأوضاع السياسية في مملكة البحرين، والمطالب السياسية العادلة لشعبها، وتتضمن رداً على الاتهامات الموجهة إليَ، وتوضيحاً للمطالب السياسية لشعب البحرين"..

أما عن ملابسات قضيته الواردة في هذه المرافعة، فيضيف سماحته، أنها "نموذج ومثال صغير لمعاناة شعب ومعارضة من جراء واقع ظالم". ويستدرك أن "المحبة التي تملأ قلوبنا نحو خصومنا السياسيين والرغبة في العيش معاً إخوة متحابين في بلدنا الحبيب، تبقى الهدف البارز لنا". وهذا ما يعتبره الشيخ سلمان صونا لحقه في الدفاع وحرية التعبير، وفقاً للدستور والعهود الدولية. كما قدم عرضاً مفصلاً لمبادئه الإيمانية والأخلاقية والفلسفية ولتطلعاته السياسية والفكرية..

* شياع الظلم والقمع والاستبداد

وعرض الكاتب نبذة عن تاريخ البحرين السياسي في الفصل الأول، ابتداء من دخولها في الإسلام في السنة السابعة للهجرة، مؤكداً على عراقة البحرين وحضارتها منذ التاريخ. ووصل الشيخ في فصله هذا الى تولي آل خليفة الحكم في البحرين والطريقة التي حكموا بها حيث شاع الظلم والقمع والاستبداد وغابت الحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية، والذي أسفر عما يسمى بحراك العريضة في التسعينات ودوار اللؤلؤة في وقتنا الحالي كردٍ على تلك السياسات الجائرة.

شخَص سماحة الشيخ ان  الإشكال الأساسي هو في احتكار السلطة  وذلك في ثاني فصول الكتاب، حيث اعتبر ان ذلك يحتاج إلى جرأة في الطرح رغم ما قد يسبب على شخصه من ضرر، ولكن واجبه الأخلاقي والوطني هما الدافع. واعتبر أن الاستئثار في اتخاذ القرار السياسي وتحجيمه في أيدي أشخاص قلائل وحرمان الشعب من المشاركة الفاعلة فيها هي من أهم مظاهر الاحتكار للسلطة، وهذا بالطبع لا يتناسب مع مفهوم الدولة العصرية التي تعتمد الديمقراطية. وفي هذا الفصل، قام الكاتب بشرح النظام الدستوري السياسي البحريني الذي تضمن في بنوده الأداة التي تمكن السلطة الحاكمة من التسلط على رقاب الشعب البحريين.

وعليه، يستعرض الكاتب في الفصل الثالث المشكلات الناجمة عن احتكار السلطة، والتي تتجلى في مشكلة التمييز، بكل أشكاله السياسية والإدارية والطائفية، والتي ادت إلى الطبقية وابقاء السلطة محتكرة في يد جماعة وفئة محددة واستضعاف شريحة واسعة من المجتمع. بالإضافة إلى محاصرة موسسات المجتمع المدني وتقييد نشاطاتها، غياب حرية الرأي والتعبير وفقا للمعايير الدولية،  غياب الحرية الإعلامية، انتهاك حرمة التجمع السلمي الذي يكفله القانون الدولي والاتفاقات والمواثيق الدولية  التي تقر بها دولة البحرين، شيوع انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك سيادة القانون....

قمع المعارضة

 أمَا عن الإجراءات القمعية بحق المعارضين المطالبين بالمساواة والديمقراطية والعدالة، فقد خصص الشيخ علي سلمان لها فصله الرابع، وعمد في فصله الخامس إلى تناول موضوع المناصحة الذي تضمن مجموعة من اللقاءات الذي جمعته بأفراد الأسرة الحاكمة وأصحاب القرار، ابتداءً من بروز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. كما قام بعرض مجموعات النصائح التي قدمها للحكم والشعب على السواء، مكتوبة ومنطوقة سرا وعلانية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام العام.

بإيجازٍ شديد، استعرض الكاتب المطالب الرئيسية لدعاة الإصلاح في البحرين في الفصل السادس، والتي يترأسها مطلب إنهاء احتكار السلطة والتأسيس لدولة دستورية تسمح بالتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات ديمقراطية تتسمم بالعدالة والنزاهة والتحول إلى الملكية الدستورية الديمقراطية. كما يطالبون بالتحول نحو دولة المواطنة ومن دولة امنية إلى دولة تعتمد التنمية المستدامة سبيلا ونهجاً لتطورها واستمرار نموها. كما وركزوا على مشكلات مقلقة كمشكلة التجنيس والتمييز الطائفي والقبلي. اما المطلب الإصلاحي الذي رفعته جمعية الوفاق الوطني البحريني شعاراً لمعارضتها فقد تمثل تطبيق الملكية الدستورية والذي يعتبر مطلباً لأغلبية الشعب البحريني ويضمن له تقدمه.

هذه أسباب المحاكمة

الأمين العام لجميعة الوفاق الوطني يفند أسباب محاكمته في فصل الكتاب السابع، معنوناً بـ لماذا المحاكمة؟ حيث يرى ان أسبابها سياسية بحتة، وهي جاءت رداً على مواقفه الوطنية ومطالبته بالدستورية الملكية والتي يؤكد على كونها من حقوقه المشروعة. كما قدم عرضا للنتائج المتوقعة من استمرار اعتقاله، باستمرار التوتر السياسي القائم على خلفية رفض الاستجابة لمطالب الشعب العادلة، احتمال اندلاع العنف بسبب الممارسات السلبية للسلطة في مواجهة التعبير السلمي، وأخيراً، عرض القضية البحرينية بشكل اكبر في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي .

اتهام الشيخ سلمان بتهم أربع من قبل النيابة العامة البحرينية، والتي تتمثل أولاً بالترويج لقلب النظام السياسي في البلاد بالقوة والتهديد، والتحريض ثانياً على بغض طائفة من الناس علانية، بما من شأنه اضطلااب السلم العام، ثالثاً، التحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين والحث على أمور تشكل جرائم، رابعأ، إهانة علانية لهيئة نظامية (وزارة الداخلية)، ووصف المنتسبين لها على انهم مرتزقة وادعاء انتمائهم الى منظمة إرهابية. وقد أورد سماحته تلك التهم في الفصل الثامن: مناقشة التهم، وأعطى لنفسه هذا المرافعة منصة للدفاع عن نفسه والرد عليها تفصيلياً. كما وعمد إلى مناقشة أدلة الاتهام في الفصل التاسع والأخير.

وختم مناشداً المجتمع الدولي حث النظام على العودة إلى مبادىء العمل الديمقراطي والتضامن مع الشعب البحيرني صاحب المطالب العادلة وعدم تفضيل مصالحه في التعامل مع النظام الجائر والمتفلت من قواعد القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان. وذكر حكومة البحرين بصفتها موقعة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بإلزامها بتطبيق بنوده، وطلب من المجتمع الدولي حث حكومة البحرين على العمل بذاك العهد. كما وجه الشكر لكل المتضامنين مع الشعب البحريني والمناهضين للسياسات التعسفية بحقه ومن ضمنها الاعتقال التعسفي لشخص الشيخ سلمان.

هذه المرافعة تعتبر بفصولها من أهم الكتب التي تشرح قضية حقوق الإنسان في البحرين وتشكل مرجعاً ضخماً للباحثين عن الحقيقة، فهي تغوص في هذه القضية عبر شخصية تمتلك الالمام والخبرة في قضية حقوق الانسان مع شرح تاريخ البحرين. مرافعة وطن دون ادنى شك تشكل وثيقة إدانة للنظام البحريني الذي يقمع شعبه ويقتل مواطنيه بكل دم بارد.

المصدر: خاص

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع