يضرب أحمد اللحام بسيف صغير على طاولة حديدية داخل مقهى النوفرة الشعبي وسط دمشق القديمة خلال سرده حكاية من حكاياته التاريخية التي يتردد صداها في أزقة الشام العتيقة.
يغصّ مقهى النوفرة كل خميس بالمرتادين لرؤية الحكواتي، لكن خلال شهر رمضان، يتردّد الحكواتي على المقهى بشكل يومي، مع ازدحام بين الـ11 ليلا والثالثة فجرا.
عندما يأتي المساء، يخلع الحكواتي أبو سامي ملابسه العصرية ويرتدي ملابس من الفلكلور الشامي، واضعا الطربوش على رأسه، ومتأبطا كتاب حكايات تعود إلى مئات الأعوام.
ويقول الحكواتي (58 عاما) "أعتقد أنني آخر حكواتي شعبي، المهنة تنقرض شيئا فشيئا، ولا يوجد غيري في دمشق القديمة، فإن تركت هذه المهنة، لن يعود هناك حكواتي".
يتجمهرُ الناس حول أبو سامي الذي يعتلي كرسيّا ثابتا يرتفع عن باقي الكراسي الخشبية الموجودة في المقهى، ويحتسي بعض الفتية الصغار الشاي، ويشرب بعض الرجال النرجيلة وهم ينظرون إليه ويستعمون لحكاياته.
يروي أبو سامي في هذه الليلة قصة الملك ظاهر بيبرس، أحد سلاطين المماليك في القرن الـ12، وهي واحدة من حكايات يرددها منذ 10 سنوات، ويرددها الحكواتيون منذ زمن بعيد، منها قصص عنترة بن شداد، وأبو ليلى المهلهل.
ويقول الحكواتي لوكالة الصحافة الفرنسية "مررنا بأوقات في السابق قلّ فيها الحضور كثيرا، لكن صاحب المقهى أصرّ على استمرارية طقس الحكواتي حتى لو لم يكن هنا غيري وغيره، أما اليوم فكما ترى، لقد تحسّن الوضع كثيرا، وصار لدي العشرات بانتظاري كل ليلة".
ينهي الحكواتي حكايته، وينزع نظارته الخفيفة، وينزل من على كرسيّه ليسامر الأصدقاء المتزايدين في المقهى هذا العام.
ويقول إن الأحداث التي عصفت بسورية في السنوات الماضية "أثّرت على زبائن الحكواتي، فقد كان الناس يخشون الخروج من منازلهم، أما اليوم فالمقهى يبقى مفتوحا حتى الفجر".
ويسري في سورية منذ بداية أيار/مايو اتفاق لتخفيف التصعيد برعاية روسيا وإيران وتركيا. وينعكس هذا الأمر على الوضع الأمني في دمشق من حيث تخفيف وتيرة سقوط قذائق الهاون التي تطلقها عليها فصائل المعارضة المتواجدة في الغوطة الشرقية.
ويقول أحد رواد مقهى النوفرة "نأتي كي ننسى، وحكايات الحكواتي تنسينا (همومنا) وجود الحكواتي يرجعنا للماضي، نهرب من الواقع الذي نعيشه، ونجد في الحكواتي متنفّسا".