منذ عام 2014 وصلت محاولات الانتحار بين اللاجئين إلى أكثر من 400 محاولة، لأسباب مختلفة. موقع مهاجر نيوز حاور بعض اللاجئين السوريين الذين أقدموا على هذه الخطوة.

"كان الخبر مدمرا لي ولعائلتي، وأصبت بسببه بنزيف في المعدة " هكذا يصف ناصر حاله لدى تلقيه خبر حصوله على حق الإقامة الثانوية فقط (إقامة لمدة سنة واحدة). فالشاب السوري وصل إلى ألمانيا عام 2015في يونيو/حزيران هارباً من مدينته حلب، التي تشهد "حرباً عالمية" على حد اعتباره. 

حصول ناصر على الإقامة الثانوية يعني أن لمّ شمل عائلته أصبح شبه مستحيلا، ليصاب بإحباط شديد، دفعه إلى التفكير بالانتحار مرار حسبما يقول في حديثه لموقع مهاجرنيوز: "بعد حوالي سنة ونصف وأنا بانتظار جلسات الاستماع لم أحصل على حق اللجوء الكامل"، والسبب هو عدم وجود إثبات على أنه ملاحق في بلده. ويستطرد ناصر: "هل من المعقول أن أذهب إلى داعش أو فصائل المعارضة المسلحة وأطلب منهم ورقة تؤكد بأنني ملاحق من قبلهم؟"

جهود باءت بالفشل

خلال فترة انتظار جلسات الاستماع التي طالما انتظرها، حاول ناصر بذل أقصى ما بوسعه لتعلم اللغة الألمانية، فرغم أن الشاب السوري كان يقيم في مركز استقبال اللاجئين في دورتموند، إلا أنه كان يذهب يوميا إلى الجامعة في بوخوم لتعلم اللغة، وبعد أن أتقنها، بدأ في عملية البحث عن عمل له في ألمانيا ظنا منه أن ذلك سيسهل عليه إقناع المحققين بالحصول على حق اللجوء الكامل "التحقت بدورة تدريب مهني في مجال البرمجة لأنه مجال اختصاصي، لكن مستوى اللغة الألمانية لم يكن كافيا لمتابعة العمل في الشركة".

لم يستسلم ناصر وبدأ في البحث عن عمل آخر، وحصل على عقد عمل مفتوح  لدى أحد مطاعم الوجبات السريعة، لكن دون جدوى. "ما يؤلمني هو زوجتي التي كنت أعدها بالفرج القريب في كل محادثة هاتفية وابنتي التي كرست كامل وقتها لدراسة اللغة الألمانية عبر اليوتيوب".

محاولة انتحار على سكة القطار

تشبه قصة ناصر قصص الكثير من  الوافدين الجدد لألمانيا، فعامر (تمّ تغيير الاسم) هو الآخر رمى نفسه على قضبان القطار في لايبزبغ محاولا الانتحار، ليتدخل أحد أصدقائه محاولا إنقاذه في اللحظات الأخيرة، حسبما أكد عادل (تم تغيير الاسم) صديق عامر في حواره لموقع "تاغس شاو" الألماني .

بعد أن هرب عامر مع زوجته من مدينة حلب إلى تركيا، حاول ابن عمه أن يقنعه بالمجيء إلى ألمانيا، ليقرر الذهاب إلى ألمانيا تاركا زوجته وثلاثة أطفال بانتظار لمّ الشمل، لكن ذلك كان بمثابة الحلم، إذ بقيت عائلة عامر عالقة لفترات طويلة على الحدود المقدونية اليونانية، ليشعر عامر بذنب كبير تجاه عائلته، وخاصة أنه دفع مبالغ طائلة ليصل إلى ألمانيا.

لهذا تتزايد نسبة الإقدام على الانتحار

ووفقا لما ذكره موقع "تاغس شاو الألماني" فإن عدد اللاجئين الذين حاولوا الانتحار بين عامي 2014 و2016، وصل إلى 433 لاجئ. وجدير بالذكر أن هذه الأرقام، ليست كاملة، ولا تشمل كل الولايات الألمانية، بل تستند  إلى بعض الحالات التي تم تسجيلها أو إحصائيات الجنح المسجلة.

ورغم توفر بعض المراكز المختصة بمعالجة اللاجئين الذين يعانون من صدمات نفسية وتقديم استشارات لهم، لكن في حوارها مع موقع مهاجر نيوز  تؤكد  السيدة أندريه دومكر من مركز كاريتاس والمسؤولة عن رعاية الأسر المهاجرة أن هناك قصصا كثيرة أخرى، وتستطرد بالقول "يتحمل الآباء عبئا نفسيا كبيرا عندما يصلون إلى ألمانيا وعائلاتهم مازالت في سوريا أو في أي بلد أخر".

"رحلة هروب خطيرة يصعب نسيانها"

ومايزيد الطين بلة هو "القلق الذي يعيشه الآباء في ألمانيا والمتعلق بقبول طلبات لجوئهم وإقاماتهم في ألمانيا والخوف من الترحيل". ليس ذلك فحسب بل، إن الكثير يعاني من اليأس وانعدام الآفاق المستقبلية، وعدم الاستقرار، على حد اعتبار دومكر، وتستطرد دومكر بالقول "الاعتداءات بدوافع عنصرية التي تحدث في ألمانيا، تزيد من الإحباط الذي يشعر به اللاجئون" كما أنه لا ينبغي أن "ننسى بأن الكثير من اللاجئين عاشوا رحلة هروب خطيرة من الصعب نسيانها بسهولة".

  ووفقا لتقديرات الرابطة الاتحادية للمراكز النفسية والاجتماعية للاجئين وضحايا التعذيب، فإن 30 إلى 40 بالمئة من اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا يعانون مما يعرف بـ"اضطرابات مابعد الصدمة". وبحسب الرابطة ، لا يحصل اللاجئون في الفترة الأولى على رعاية صحية كاملة. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالموافقة على تقديم العلاج النفسي، بل يتعلق الأمر بـ "تقدير الدوائر الاجتماعية"، ومن غير الواضح ما هي المعايير التي تم اعتمادها أثناء تقدير الحالات التي يتوجب علاجها، علما أن معظم طلبات المعالجة النفسية يتم رفضها.

وجدير بالذكر أن عامر الذي حاول الانتحار مرتين كان علاجه الوحيد هو العودة إلى اليونان للبقاء بجانب عائلته، أما بالنسبة لناصر، فقد اضطرت عائلته إلى المغامرة بالهروب عبر البحر لتصل إلى ألمانيا.