مرة أخرى يسقط النظام الأردني في اختبار الثقة. شهيد جديد برصاص إسرائيلي دون إثبات أي نية للمطالبة بردّ اعتبار، إذ جهد ثلاثة وزراء أمس في تبرير صمت عمان وتخاذلها، فيما وارى الأردنيون الثرى جثمان شهيد من أصل اثنين
مفارقة جديدة تسجلها الصور والمشاهد يوم أمس، بين استقبال رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سفيرته لدى الأردن عينات شلاين، العائدة أول من أمس وطاقم سفارتها من العاصمة الأردنية، ومعها موظف الأمن الذي أطلق الرصاص على مواطنين أردنيين فقتلهما، وبين جنازة جماهيرية حاشدة في عمّان خلت من أي ممثلين عن الحكومة.
وشيّع عدد كبير من الأردنيين بعد صلاة الظهر جثمان الشهيد محمد زكريا الجواودة (17 عاماً) إلى مقبرة أم الحيران، جنوبي عمان، وذلك بعدما توصلت عائلة الجواودة إلى اتفاق مع الحكومة يقضي بملاحقة الجاني عبر القنوات القضائية الرسمية، فيما كانت الهتافات التي علت أثناء الجنازة تطالب بإسقاط اتفاق وادي عربة وإغلاق السفارة الإسرائيلية، وهي دون سقف الواقع الرسمي كما يرى كثيرون هنا.
والجواودة أحد الشهيدين اللذين قضيا بنيران الحارس الإسرائيلي في مبنى سكني تابع لسفارة تل أبيب، يوم الأحد الماضي، في حين أنه لا تفاصيل واضحة عن تشييع جثمان الشهيد الثاني، الطبيب بشار الحمارنة، وسبب تأخر ذلك.
في السياق نفسه، ساد الغضب جلسة مجلس النواب الصباحية أمس بعدما قدم وزير الداخلية، غالب الزعبي، تقريره عن الحادثة، وهو ما أثار استياء عدد من النواب الذين غادروا الجلسة، فيما قرر رئيس المجلس، عاطف الطراونة، رفع الجلسة. وفي بيان صادر باسمه، قال الطراونة: «الموقف الحكومي لم يكن بمستوى خطورة الحدث وتأثيراته الكبيرة، فكان متأخراً على نحو غير مبرر أو مفهوم، ما ترك الباب مفتوحاً أمام التأويل والأقاويل، الأمر الذي أسهم في توتر الرأي العام وترك الشارع رهيناً للإشاعة والمعلومة المغلوطة».
ساد الغضب
جلسة مجلس النواب بعدما قدم وزير الداخلية تقريره
أما الرواية الرسمية، فكانت قد خلصت إلى أن أبعاد الحادث «جنائية»، وأن إطلاق الحارس الإسرائيلي النار جاء بعد تهجم الجواودة عليه بعد «مشادة بسبب التأخر في تركيب أثاث للجاني». أما إصابة الحمارنة، فكانت بالخطأ. وعلى الصعيد القضائي، انتهت التحقيقات الأمنية في القضية، وحُوِّل الملف إلى المدعي العام لتسير المجريات في أطرها القضائية الرسمية دون أفق واضح للنهاية الممكنة لها.
وفي وقت لاحق من عصر أمس، خرج المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية، أيمن الصفدي، ووزير الدولة للشؤون القانونية، بشر الخصاونة، وذلك بعد يومين من صمت الدولة، إلا من بيانات مديرية الأمن العام. المومني قدّم العزاء إلى ذوي «من فقدوا أرواحهم»، مشدداً على أن «الجميع يقفون من أجل الدفاع عن مصالح الدولة ومن أجل شرح المواقف بما يليق بالدولة».
أما الصفدي، فقال إن «الجاني مسجل لدى الخارجية الأردنية كدبلوماسي، وبذلك يخضع للقوانين الدولية المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية، التي تمنحه حصانة... مع ذلك، تمسكت الحكومة بأخذ إفادته قبل مغادرته لأراضيها، وستأخذ التدابير اللازمة لملاحقة الجاني وفق القوانين الدولية». لكن وزير الخارجية أكد أنه لا علاقة «لحادثة السفارة» بما يجري في المسجد الأقصى، فيما تولى الخصاونة عرض القوانين الدولية التي حالت دون احتجاز الحارس الإسرائيلي.
لكن الإصرار على التمسك بالسياق الدبلوماسي والقانوني لدى الحكومة الأردنية أثار تساؤلات عدة عن حوادث مشابهة وقع ضحيتها مواطنون أردنيون استشهدوا برصاص قوات الاحتلال، مثل الشهيد سعيد العمرو (27 عاماً) الذي قتل في أيلول الماضي في منطقة باب العمود في القدس بدعوى تنفيذ عملية طعن، والشهيد القاضي رائد زعيتر (39 عاماً) الذي أطلق عليه الرصاص على جسر الملك حسين، على الحدود بين الأراضي الأردنية وفلسطين المحتلة، في آذار 2014، علماً بأنه إلى غاية اليوم لم تظهر نتائج التقرير المتعلق باستشهاد زعيتر.