يواصل مبعوثا وزير الخارجية الأميركي جولتهما على عواصم «المقاطعة»، في ظل أنباء عن تقديمهما، ومعهما الوسيط الكويتي، مقترحات جديدة، تتضمن خارطة حلّ شبيه بما تم إبرامه عام 2014، مضافةً إليه «ضمانات والتزامات». مقترحاتٌ لا يبدو إلى الآن، على ضوء التصريحات التي أدلى بها مساء أمس وزير الخارجية المصري، أنها ستلقى آذاناً صاغية لدى «الرباعي»

تنبئ المعلومات المتداولة في الأوساط الأميركية والكويتية بأن ثمة تحولاً في مسار الأزمة الخليجية يمكن أن يضعها على سكة الحل. تحوّل يرتكز، بحسب ما تتحدث به تلك الأوساط، على عاملين رئيسين: بروز موقف أميركي «أكثر انسجاماً ووضوحاً» إزاء كيفية معالجة الخلاف، وتَقدُّم الأطراف الوسيطة بطروحات «جدية» قابلة للتداول والتطبيق.

على أن الإيجابية التي تنطوي عليها تقديرات المتابعين في واشنطن والكويت، يقابلها سقف قطري عالٍ لا يزال ثابتاً عند مستوى «رفض الوصاية» وتعزيز السياسات القائمة حالياً، في ما قد يكون موقفاً مطلوباً قبيل الجلوس إلى طاولة التفاوض. لكن استمرار الأوساط القطرية في الحديث عن سعي أميركي لتجميد الخلاف لا إنهائه، يوحي بأن سيناريو شبيهاً بما حدث عام 2014، من «مصالحة» قائمة على «المجاملات» بحسب توصيف متابعين قطريين، يبدو بعيد المنال، أقله في الوقت الراهن.
ولم تكد تمرّ ساعات على انتهاء وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الصباح من تسليم رسائله التي حمّله إياها أمير البلاد صباح الأحمد الصباح إلى زعماء الخليج، ومعهم الرئيس المصري، حتى خرجت صحيفة «القبس» الكويتية بما قالت إنه «مشروع حل جدي» للأزمة، يقود إلى تهدئة شاملة بـ«ضمانات». وبحسب ما أوردته الصحيفة، فإن المشروع يقوم على إقناع دول المقاطعة بالتخلي عن المطالب الـ13، والاكتفاء بالمبادئ الـ6 التي أعلنها وزراء خارجيتها عقب اجتماعهم في القاهرة في 5 تموز الماضي. وتنص الخارطة المقترحة، في المقابل، على قيام قطر بـ«معالجة ملف الإخوان»، عن طريق إخراج بعض رموز الجماعة وقيادييها من أراضيها، ووقف الحملات الإعلامية على الدول الأربع.
ووفقاً لما أوردته «القبس»، فإن جهود مبعوثَي وزير الخارجية الأميركي، الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، تيم ليندركينغ، تصبّ في الاتجاه نفسه، إذ إن المبعوثَين، اللذين تستهدف مهمتهما بالدرجة الأولى «لجم التصعيد»، عمدا إلى «جسّ نبض الدول المقاطعة حيال إمكانية تخلّيها عن قائمة المطالب الـ13... ومدى استعدادها للبحث في خريطة طريق جديدة للتسوية لا تبتعد عن اتفاق 2014 لكن مع ضمانات والتزامات». ضماناتٌ ستكون، بحسب مصادر سياسية ودبلوماسية تحدثت إلى «القبس»، «كويتية وأميركية وأوروبية معاً إذا اقتضى الأمر».
حديث «القبس» يعزّزه ما كانت قد لمّحت إليه وكالة «بلومبرغ» الأميركية، قبل أيام، من أن في جعبة زيني وليندركينغ «مقترحات» لوضع حدّ للأزمة، ناقلة عن خبراء في شؤون الشرق الأوسط اعتبارهم أن المشهد اليوم يشي بأن الموقف الأميركي في التعاطي مع الخلاف الخليجي أصبح «أكثر تماسكاً وانسجاماً»، واستشهادهم على ذلك بـ«عزوف الرئيس دونالد ترامب عن تعليقاته الاستفزازية في الآونة الأخيرة». على أن تلك التلميحات الإيجابية لا تنعكس تفاؤلاً لدى الأوساط القطرية التي لا تزال على اعتقادها بأن واشنطن «تريد إنهاء الأزمة ولو بشكل سلبي، بمعنى الإنهاء مع بقاء العداء»، بحسب تعبير أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، ماجد الأنصاري.
اللافت أيضاً، في ما يتحدث به الخبراء والمحللون القطريون، بالتوازي مع التحركات الأميركية والكويتية، هو دعوتهم إلى «الاستفادة الإيجابية» من الأزمة الراهنة في إعادة رسم سياسات الدوحة على أساس «استقلال حقيقي بعيداً عن المجاملات التي اتبعتها منذ 2013». دعوة تُعدّ بمثابة تنظير وتثبيت لما كان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، قد لمّح إليه، في خطابه الأول منذ انفجار الخلاف (21 تموز الماضي)، من استعداد بلاده للافتراق عن «أشقائها» الخليجيين، والدخول في شراكات اقتصادية وعسكرية جديدة، وإجراء إصلاحات داخلية تستهدف توسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، وبناء قاعدة صناعية لإيجاد بدائل من الاستيراد.
ويأتي تداول هذه المعلومات والاقتراحات في وقت يواصل فيه مبعوثا الوزير الأميركي ريكس تيلرسون جولتهما على عواصم المقاطعة. والتقى زيني وليندركينغ، أمس، وزير الخارجية المصري سامح شكري، في القاهرة. وقال المتحدث باسم الخارجية، أحمد أبو زيد، إن اللقاء ناقش «القلق حيال الدور السلبي الذي تقوم به قطر»، لافتاً إلى أن الجانب الأميركي عبّر عن تطّلعه إلى حدوث انفراجة، ومضيفاً أن شكري شدد، في المقابل، على «ضرورة تنفيذ قطر لقائمة المطالب الـ13 التي قُدّمت إليها، والالتزام بالمبادئ الستة الحاكمة لها».
وكان زيني وليندركينغ قد التقيا، في وقت سابق من أمس، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بعدما التقيا أول من أمس ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير خارجيته خالد بن أحمد آل خليفة الذي أشاد بـ«ما تبذله واشنطن من جهود لمواجهة الإرهاب بكافة أشكاله، ومن يدعمه أو يموّله»، في حين شدّد مبعوثا تيلرسون على «أهمية مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحماية أمن المنطقة».

المصدر: الأخبار