جاءت خطط إصلاح اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وذهبت مع مد وجزر أسعار النفط. ومن أجل إحداث تغيير فعال، يجب على هذه البلدان تنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط، وإعادة هيكلة العائدات المالية ، وخلق فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص. إن احتمالات انخفاض أسعار النفط وتزايد عدد السكان تجعل حالة الإصلاح أكثر إلحاحا.

وقال مؤلفو مذكرة لصندوق النقد الدولي «إن التحديات الرئيسية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي هي كيفية الحفاظ على معدل نمو مرتفع نسبيا وخلق فرص عمل لعدد متزايد من المواطنين الذين يدخلون سوق العمل. وقد بدأت عدة بلدان بالفعل تنفيذ برامج إصلاح متوسطة الأجل». ومن المثير أن هذه الكلمات كتبت هذه الكلمات في عام 1997، ومع ذلك تظل المسائل نفسها باقية إلى اليوم.

ولن يفاجأ المراقبون الذين يتابعون بلدان الخليج العربية بأن جدول أعمال الإصلاح الحالي يشبه إلى حد بعيد نفس الجدول قبل عقدين من الزمان. فالحاجة الملحة للإصلاح ترتبط منذ فترة طويلة بسعر النفط. ويؤدي انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض الإيرادات الحكومية، ما يدفع السلطات إلى مضاعفة تنفيذ التقشف. وبمجرد أن تتعافى أسعار النفط، تتأخر خطط الإصلاح على المدى الطويل وتهبط. ولسوء الحظ، فإن اعتبارات الاقتصاد السياسي تفرض ضغوطا على الحكومات لزيادة الإنفاق عندما ترتفع أسعار النفط.

جولة مختلفة
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل هذه الجولة من انخفاض أسعار النفط وجهود الإصلاح المتزامنة في دول مجلس التعاون الخليجي مختلفة، حيث أن النمو العالمي في الطلب على النفط قد يتراجع بشكل سلبي في أوائل 2020. ويواجه منتجو أوبك التقليديون منافسة متزايدة من المنتجين البديلين، بما في ذلك من النفط الصخري الأمريكي.

وفي الوقت نفسه، فإن النمو السكاني يزيد من ضغط الميزانيات الضيقة بالفعل. استفادت دول الخليج تقليديا من المزايا السخية لرعاياها والوظائف التي غالبا ما تكون مربحة في القطاع العام . وسيجبر عدد المواطنين الأكبر الحكومة على الحد من هذه الفوائد أو مواجهة تكاليف تصاعدية. وقد شهدت السعودية، التي تعتبر أكبر دولة في الخليج، زيادة سكانها بنسبة 2.4٪ سنويا في العشرين عاما حتى عام 2014، وهناك الآن أربعة ملايين مواطن سعودي تتراوح أعمارهم بين 10 و 19 عاما.

وقد أطلقت السعودية خطة طموحة للإصلاح قبل أكثر من عام، وحددت أهداف البلاد لمواجهة هذه التحديات. ولدى جميع دول الخليج الأخرى برامج إصلاحية مماثلة يفترض أن تنتهي ففي الفترة بين 2020 و2035.

وبشكل عام، تهدف معظم خطط الإصلاح الاقتصادي الخليجي إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تنويع الاقتصاد، وتقليل الإنفاق الحكومي، وتقليص الاعتماد على عائدات النفط، وتوفير فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص. وهذه الأهداف الثلاثة مترابطة، ولاسيما في حالة الطلب على وظائف القطاع العام. وقد سعى مواطنو الخليج منذ فترة طويلة للحصول على عمل حكومي، وتم جذبهم من خلال رواتب عالية نسبيا. ولكن تؤدي البطالة الحكومية المفرطة إلى عدم الكفاءة الاقتصادية وتزيد من أعباء الحسابات المالية. وفي الوقت نفسه، ولإيجاد فرص عمل في القطاع الخاص، يجب على الدول أن تدعم نمو القطاع الخاص وأن تكفل للمواطنين المهارات اللازمة لدخول القطاع الخاص.

وقد حظيت دبي بأكبر قدر من النجاح في جهودها التنويع الاقتصادي. وتطورت الإمارة كمركز تجاري ومالي وجذب سياحي عالمي. ومع ذلك، فإن ثروات دبي لا تنفصل عن أسواق النفط. ويأتي جزء كبير من الطلب في اقتصاد دبي القائم على الخدمات من اقتصادات أخرى تعتمد على النفط في المنطقة.

وفي مناطق أخرى من الخليج، تركزت العديد من جهود التنويع على التصنيع وخاصة في الصناعات المرتبطة بالنفط، مثل الصناعات البتروكيماوية وصناعات الألومنيوم. وقد استخدمت البلدان موارد النفط الرخيصة، المدعومة من الحكومة، لبناء ميزة تنافسية على التكلفة. وسوف تتلاشى مزاياها في هذا المجال إذا ظلت أسعار النفط منخفضة على المدى الطويل.

وقد حظيت الجهود التي بذلت لتخفيض الإنفاق الحكومي باهتمام حديث. وكانت السعودية قد أعلنت عن مجموعة من التخفيضات في سبتمبر/أيلول الماضي قبل أن يعيد مرسوم ملكي الاستقطاعات بأثر رجعي، متزامنا مع تسمية «محمد بن سلمان» وليا للعهد. ويظهر توقيت هذه الخطوة الحساسية السياسية المحيطة بهذه القضية، والصلة بين أمور الاقتصاد والولاء السياسي.

تقدم بطيء
وقد شهدت عملية إصلاح الدعم تقدما بطيئا، ولكن هناك مؤشرات على حدوث تراجع عن الإصلاح. وقد نفذت جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي بعض الارتفاعات في أسعار الطاقة، غير أن السعودية أخرت رفع أسعار النفط إلى أسعار الوقود هذا العام. وكانت عمان قد أرجأت رفع أسعار الوقود في فبراير/شباط بعد احتجاجات على ذلك. ويدرس تعويض التكاليف المرتفعة للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال إصلاح الدعم بدفعات نقدية.

ويبقى إصلاح التعليم أمر حاسم لضمان قدرة المواطنين على إيجاد عمل مجد في القطاع الخاص. وقد شهدت دول الخليج نتائج تعليمية ضعيفة للطلاب، على الرغم من تدفق الأموال إلى هذا القطاع. وقد اقترحت مجموعة متنوعة من الإصلاحات، بما في ذلك تحسين تدريب المعلمين والتحول في التركيز بعيدا عن التلقين إلى التعليم الابتكاري. ومع ذلك، فقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي على مر التاريخ حريصة على منح الأجانب سيطرة كبيرة على نظمهم التعليمية. وقد اتهم اختصاصيو التوعية الأجانب بمساعدة الإخوان المسلمين على التسلل إلى الأنظمة التعليمية، وفي العقود السابقة، استوردت الفلسفة السياسية الناصرية إلى الفصول الدراسية.

ولا يزال الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي الكبير بعيد المنال في كثير من أجزاء مجلس التعاون الخليجي. أما التوقعات المتعلقة بالإصلاحات في المستقبل القريب فهي منخفضة. ويقول بعض المراقبين إنه سيكون إنجازا إذا نفذت السعودية 50٪ فقط من الإصلاحات المتوخاة في رؤية عام 2030. ولكن احتمال انخفاض أسعار النفط على المدى الطويل وتزايد عدد السكان يجعل قضية الإصلاح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وإذا فوتت بلدان مجلس التعاون الخليجي هذه الفرصة لإعادة هيكلة اقتصاداتها، فقد لا تجد وقتا أفضل للقيام بذلك في المستقبل.

المصدر: الخليج الجديد