في تطور لافت، عقد مجلس إدارة المصرف المركزي اليمني اجتماعاً في عدن أول من أمس، وأصدر بياناً اتهم فيه خلية تابعة لـ«التحالف» بعرقلة إنزال الأوراق النقدية المطبوعة في الخارج، وهو اتهام مبطّن موجه إلى دولة الإمارات.
وأضاف البيان الصادر عن الاجتماع الذي ترأسه محافظ المصرف منصور صالح القعيطي، أنه ناقش البند الذي يتعلق بجداول توريد الأوراق النقدية المطبوعة في الخارج، لافتاً إلى الصعوبات البالغة التي تواجه ترتيبات النقل والتوريد بسبب عرقلة إنزال هذه الاوراق جواً في مطار عدن من قبل خلية تابعة لـ«التحالف»، وذلك لأسباب «مجهولة ودون مبرر أو تفسير واضح».
وتندرج خطوة «عرقلة إنزال الأوراق النقدية» للريال اليمني في عدن، ضمن خطوات إماراتية سبقها خطوة السيطرة على مديرية عزان في محافظة شبوة شرقي اليمن منذ أسبوعين بغية وضع اليد على حقول الغاز والأنابيب الواصلة إلى «ميناء بلحاف» المخصص لتصدير النفط والغاز.
ولعلّ الجدير ذكره، أنّ تلك السيطرة الميدانية أخذت طابعاً استعراضياً بعدما عقدت دولة الإمارات تسوية بواسطة داعية سلفي، يدعى محمد باعوظة، مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، انسحب على إثرها التنظيم من مديرية عزان (مقابل مبلغ من المال) لتحلّ مكانه القوات الإماراتية. وللإشارة، فإنّ الطوافة التي ادّعت أبو ظبي أنها «سقطت بعطل فني» أول من أمس، وقتل فيها أربعة ضباط من القوات الجوية، كانت تقوم بمهمة تعزيز الأمن للشركات والحقول والأنابيب النفطية في عزان.
وتدّعي الإمارات أنها تسيطر على الجنوب اليمني بموجب مشاركتها في «التحالف العربي» الذي بدأ عدوانه على اليمن بدعوة من الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، علماً أنه لم يعد خافياً على أحد أنّ أبو ظبي تخوض صراعاً عنيفاً مع «شرعية هادي»، وأنّ هذا الصراع تحوّل إلى عداء مستحكم رغم محاولة الرئيس المستقيل التقرب مراراً وتكراراً من حكام الإمارات.
ووصل الأمر بالإماراتيين حدّ تعمّدهم توجيه الإهانات الشخصية إلى هادي، والعمل على إذلاله، من خلال توجيه الدعوة إليه لزيارة أبو ظبي ثم استقباله من قبل مدير الاستخبارات والتعامل معه بشكل غير لائق. وفي الميدان، يعمد الإماراتيون إلى تحجيم سلطات هادي والتضييق على كل من يمتّ إليه بصلة. وفي أكثر من مرة، حاول الأخير توسيط السلطات السعودية لدى الإماراتيين، لكنّه لم يجد آذاناً صاغية.
ويواجه الفريق الموالي للسعودية، ومن بينهم هادي، إشكالية انصراف ولي العهد المعيّن حديثاً محمد بن سلمان، عن متابعة التفاصيل المحلية للشأن اليمني، في مقابل إعطائه أولوية لتمتين العلاقة مع سلطات أبو ظبي، خاصة بعدما اكتشف قوة النفوذ الإماراتي في المؤسسات الأميركية.
ضمن هذا المشهد، يحاول هادي استخدام آخر أوراقه وأهمها عبر تهديد المسؤولين السعوديين بأنه في صدد إعلان وقف ما يسمى «عاصفة الحزم»، وأنّ اليمن لم يعد بحاجة إلى التدخل العسكري لـ«التحالف». وفي مقابل ذلك، سيُعلن الشروع في إحياء المسار السياسي بين الفرقاء اليمنيين للتوصل إلى تسوية سياسية تنال الرضى المحلي.
المسؤولون السعوديون المشغولون في ترتيب البيت الداخلي للأسرة الحاكمة، والتمهيد لاعتلاء ابن سلمان العرش، إضافة إلى متابعتهم «الأزمة الخليجية»، أكثر الناس اطلاعاً على تفاصيل مشروع هادي، ويُدركون جيداً هزالة شرعية عبد ربه منصور هادي، المستمدة بالأصل من الارتباطات السعودية إقليمياً ودولياً.
ويؤكد العارفون بخفايا علاقة الرياض بهادي، أنّ الأخير «أُبلِغ، قولاً وممارسةً، بأنّ المسؤولين السعوديين ليسوا على استعداد للمجازفة بعلاقتهم مع شريكهم الرئيسي في التحالف، أي الإمارات، وعليه التعايش وفق مقتضيات علاقة الرياض ــ أبو ظبي».
في غضون ذلك، يحاول عبد ربه منصور هادي الدفاع عن آخر ما بقي له، عبر الإبقاء على مكتسباته والحفاظ على الموظفين المحسوبين عليه في جنوب اليمن حيث يتعرضون لضغوط إماراتية، خاصة أنّ أبو ظبي لم يرُقها التفرج على انطلاق «عجلة الإنماء» على يد محافظ عدن المعيّن منذ شهرين عبد العزيز المفلحي، وتريد من هادي إقالته.
ملخص هذا المشهد، يشير إلى أنّ دولة الإمارات لا تحترم التسوية التي رعتها «اللجنة الثلاثية» المكوّنة من مسؤولين سعوديين وإماراتيين وآخرين تابعين لهادي، والتي قضت بتقاسم المهمات والملفات بين الأطراف المحلية المحسوبة على كل من الرياض وأبو ظبي. وكلما حققت امتيازاً، انطلقت إلى آخر، لتثبت أنها الحاكم الفعلي الوحيد في جنوب اليمن.