منذ اقتراب عمليات الجيش السوري وحلفائه من ضفاف الفرات في ريف حلب الشرقي، اندفع «التحالف الدولي» لقطع الطريق أمامه في ريف الرقة الجنوبي عند الطبقة، لإبعاده عن سدّها الاستراتيجي وعن حدود مدينة الرقة التي اعتبرتها واشنطن ضمن حصّتها من الحرب على الإرهاب في سوريا. ووصل التوتر على تلك الجبهة المشتركة إلى أشدّه يوم إسقاط الطائرة السورية في محيط الرصافة، قبل أن يهدأ بالتوازي مع حديث أميركي عن اتفاق «منع تصادم» وُقِّع مع الجانب الروسي، لمنع تكرار تلك الحوادث.
ومع وصول الجيش إلى ثلاثة أطراف من محافظة دير الزور، معلناً هدفه بفك الحصار عن المدينة، والوصول بعدها إلى مدن وادي الفرات وبلداته، كانت العين على الأميركي، صاحب المصلحة الاستراتيجية هناك. وخرجت تأكيدات متقاطعة من قبله، أنه سيتحرك «بعد عملية الرقة» إلى أي منطقة يسيطر عليها تنظيم «داعش»، بما في ذلك منطقة وادي الفرات الأوسط، بين الرقة والبوكمال.
غير أن اندفاع الجيش السريع وكسره دفاعات «داعش» البعيدة عن عاصمة الشرق، قد يفرضان على الأميركي التحرك أسرع من المخطط، عبر تحرك يضمن له حصته هناك، قرب الحدود مع العراق. ولكن معضلة الأميركي تبقى واحدة، وهي نقص العناصر المحلية العاملة تحت لوائه، أو قلة كفاءتها، وله تجارب مع «جيش سوريا الجديد» في البوكمال، ومع نسخته الجديدة (مغاوير الثورة) المعزولة حالياً في قاعدة التنف ومحيطها.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن أول مرحلة من المفاوضات لتكوين جبهة موحدة بين «المغاوير» و«قوات سوريا الديموقراطية» لإطلاق عمليات باتجاه مناطق شرق الفرات انطلاقاً من ناحية الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، قد باءت بالفشل. ويعود السبب إلى رفض «المغاوير» العمل بالتعاون مع «قسد»، ورغبتهم في حصر «معركة الدير» بقواتهم والفصائل المتحالفة معهم. غير أن الأميركي يراهن على حلحلة الخلاف بين الطرفين، بنحو يتيح له الاستفادة من أبناء العشائر الذين يقاتلون داخل صفوف «قسد»، الذي دخل في سباق مع دمشق وحلفائها لكسب ولائهم خلال معارك الشرق.
وتفيد آخر المعلومات بهذا الخصوص، بأن ريف الحسكة الجنوبي، يشهد منذ أسبوع تحركات متواترة لآليات تابعة لـ«التحالف الأميركي»، بما في ذلك نقل آليات عسكرية وغرف مسبقة الصنع ومعدات لوجستية، من منطقة رميلان باتجاه الشدادي. وهو ما يوحي بقرب انطلاق عمليات على تلك الجبهة باتجاه الحدود الشمالية لمحافظة دير الزور.
وتأتي التحركات الأميركية بالتوازي مع تأكيدات نقلتها مصادر ميدانية متعدّدة، عن وصول الدفعات الأولى من «المغاوير» إلى الشدادي، التي تعتبر باكورة دفعات جديدة، ينتظر أن تخلي مواقعها بنحو تام في التنف، ولا سيما مع تقدم الجيش نحوها على الشريط الحدودي مع الأردن. وتتواتر المعلومات عن بدء «التحالف» منذ يومين نقل الدفعات الأولى عبر المروحيات، مع توقعات أولية بتحضير مئات العناصر من «المغاوير»، وعدد ممن يجري العمل على تجنيدهم ضمنها، وخاصة الفارين من التجنيد الإجباري، مع إغراءات برواتب تصل إلى 200 دولار أميركي.
ويبدو أن «التحالف» يسعى إلى إطلاق المعركة على عجل، بما يستطيع توفيره من قوات محلية من أبناء المحافظة، ليعززها لاحقاً بعدد من مقاتلي عشيرة الشعيطات و«مجلس دير الزور العسكري»، المنخرطين مع «قسد» في قتال «داعش»، بالإضافة إلى «قوات النخبة السورية» المنسحبة من معركة الرقة باتجاه بلدة المالحة بالقرب من الحدود الإدارية الشمالية لدير الزور، والتابعة لرئيس «تيار الغد» أحمد الجربا، الذي يلعب دوراً وسيطاً في اتفاقات «تخفيف التصعيد»، بالتنسيق مع موسكو. ويرجح أن يسعى «التحالف» إلى السيطرة على بلدة مركدة، وعلى كامل الحدود الإدارية للحسكة مع دير الزور، وصولاً إلى بلدة الصور وسرير نهر الفرات الشرقي.
من جهة أخرى، بدا لافتاً نفي الناطق باسم «قسد» طلال سلو، في حديث إلى «الأخبار» الأنباء عن وصول «المغاوير» إلى الشدادي، مشدداً على أنه «لم يجرِ التوصل إلى اتفاق مع (التحالف) بخصوص ذلك». وأكد أن أي معركة تطلق باتجاه دير الزور ستكون حصراً بقيادة قواتهم، وبمشاركة «مجلس دير الزور العسكري» الذي «يمثل أبناء المحافظة». وعلى المقلب الآخر، حقّق الجيش السوري أمس تقدماً ميدانياً مهماً، من خلال السيطرة على موقع الكوم التاريخي وعلى عدة مواقع مجاورة له، في أقصى ريف حمص الشمالي الشرقي. ويأتي ذلك تعزيزاً لمساعيه بفرض حصار على تنظيم «داعش» في ريفي حمص وحماه الشرقيين، وتقدر مساحة سيطرته هناك بأكثر من 8 آلاف كيلو متر مربع.
ويكتسب هذه التقدم أهميته لكونه قلّص المسافة بين القوات الموجودة شمال السخنة وبين تلك المتقدمة في الكوم، إلى أقل من 25 كيلومتراً، وهو ما قد يدفع التنظيم في حال تقدُّم الجيش نحو جبل الضاحك ومنشار وجيونة، إلى انسحاب تام من أرياف حماه وحمص، نحو دير الزور.
وفي موازاة ذلك سيطر الجيش على مسافة تزيد على 10 كيلومترات في محيط طريق إثريا في ريف حماه الشرقي. كذلك وصل إلى أطراف منطقة حميمة في عمق بادية حمص الشرقية، بعد سيطرته على تلة أبو فارس شمال غرب المنطقة الملاصقة لحدود دير الزور.
وعلى محور السخنة، واصل الجيش عمليات استهداف «داعش» في محيط البلدة، للسيطرة على مساحات إضافية تؤمنها من هجمات التنظيم. وأكد قائد العمليات العسكرية في السخنة، وقائد قوات الجيش السوري في المنطقة الشرقية، اللواء محمد خضور، في تصريح إلى «الأخبار» أن «الجيش سيتابع خلال أيام قليلة عملياته العسكرية باتجاه دير الزور لفك الطوق عنها». ولفت إلى أن «الجيش يحاول الاستفادة من الطبيعة الصحراوية لطريق السخنة ــ دير الزور، لتحقيق تقدم سريع باتجاه المدينة، وإعادة ربط الشرق بالجغرافية السورية». وأضاف أن «تنظيم (داعش) يعاني من انهيارات كبيرة، وهو لم يعد قادراً على مقاومة الخطوات المتسارعة للجيش، الذي سيفك الحصار عن دير الزور، وينهي وجود (داعش) في كامل جغرافية المحافظة».