منذ سنوات، ساد اعتقاد أنّ «الجيش الحر» يسير نحو حتفه. رغم النقاوة التي رسمت ملامحها أجهزة الدعاية العربية والغربية، لم يكن «الرعاة» معنيين بانتفاضة حريات وديموقراطية في سوريا. من يستلّ السيف الأعتى في وجه دمشق يتسلّم جواد «الفتح» الاعلامي والعسكري. وقع الرهان على حصان الاسلاميين وأبناء «القاعدة»: ببساطة كانوا الأكفأ والأقوى حضوراً وتنظيماً.

شكّلوا الورقة الرابحة في الميدان، وعلى أكتافهم بُنيَ رهان إسقاط قلب العاصمة بعد دخول حلب وإدلب والشرق ومعظم الأرياف والجنوب. لكن إلى جانب هؤلاء، لم يكن قادة «الجيش الحر» مجرّد عابثين متفرّقين. لم تنطفئ الشعلة. معظمهم أدّى دوره على أكمل وجه في حلبة القتال... كتابعين، رغم إرادة دولية وإقليمية لتشبيههم بـ«صفحة بيضاء» في «ثورة فقه الدم».
تُشكّل الفصائل المسلحة في «الجبهة الجنوبية» وبادية دمشق وريف حماة والغوطة، آخر معاقل «الجيش الحر». هذه المجموعات ــ كما كانت في السابق ــ على اختلاف نفوذها الجغرافي، أظهرت على الدوام أنّها امتداد لمموّل وضابط إيقاع.
قبل أكثر من عامين، كُشف عن التسريب الأبرز (الذي أصبح علنياً لاحقاً) في عالم «ثوار الديمقراطية»: برنامج لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) كِلفته مليار دولار يتولى تدريب وتسليح آلاف السوريين. مناطق هؤلاء، يرسم حراكها الأميركي حسب أجندته. كان لهم دور صريح: صواريخ «تاو» خلف خطوط «النصرة» في حماة وحلب وإدلب، جبهات تُفتح في خاصرة دمشق الجنوبية... والأهم ما يُذكر في بداية تصريح كل وصيّ: نحن ندعم المعارضة المعتدلة.
حالياً، تشهد البلاد اتفاق «خفض تصعيد» مع الجانب الروسي، إذاً
في الجنوب مثلاً، تستريح البنادق ويتابع «العسكر» حياته في الأردن أو علاجه في إسرائيل.
وفي «أمر اليوم» تريد واشنطن مقاتلين محليّين، فهي تفتقر إلى «العدد» في حساباتها الجديدة، فلا تجد سوى من بقيَ أمامها محاصراً في التنف. هؤلاء («مغاوير الثورة») الذين دأبوا على فتح الجبهات في مناطقهم، لديهم وظيفة أخرى، إذ يحتاج إليهم الأميركي في مهمة سينقلهم إليها جوّاً أو تسلّلاً. احترقت ورقة التنف وحان أوان رهان آخر... السيطرة على ريف الحسكة الجنوبي وصولاً إلى دير الزور.
لم يمت «الجيش الحر». يَلزم في ترتيب بنود «التسوية الأخيرة». سقطت المشاريع الكبرى رغم بقاء التخادم مع تنظيم «القاعدة» وإخوانه في المنهج ما داموا السدّ الأساس أمام تمدّد الجيش السوري وحلفائه (يشير تقرير نُشر لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية صدر صيف عام 2012 إلى أنّ القوى الأساسية التي تقود التمرّد في سوريا هي السلفيون والإخوان، والقاعدة القادم من العراق، وأن الغرب ودول الخليج وتركيا تدعم هذه المعارضة).
لا كوميدية بروح الارتزاق أسطع من تصريح لمسؤول في «جيش أسود الشرقية» حين قال إنّ «البادية تضم مشروعين، الأول يخصّ البنتاغون ويدعم (مغاوير الثورة)... والثاني يخص (غرفة الموك) التي تدعم (جيش أسود الشرقية) التابع للجبهة الجنوبية في الجيش الحر).
هذه قمّة القرار الحر الذي يتمتّع به هؤلاء، أو على نحو أوضح: نحن نتبع أجهزة أميركية ثانية وأخرى تابعة لدول الخليج والأردن، وليس «الاستخبارات المركزية».
حدّان بفالق ضخم يتنقّل بينهما آخر أبطال «الجيش الحر»... بين «البنتاغون» و«السي آي إيه».

المصدر: إيلي حنا - الأخبار