أن تصل متأخراً خير من ألّا تصل. قد لا يصحّ هذا المثل على حال مرضى غزة الذين تصل الموافقة على سفر بعضهم... بعد موتهم، فيما يعاني كثيرون على أسرّة المرض، في انتظار الموافقة المالية من رام الله، أو الأمنية من إسرائيل، للحصول على فرصة علاج
غزة | عند الثامنة مساءً استقبلت أم حسن الأغا نبأ وفاة ابنها يوسف الذي لم يكمل الأعوام الثلاثة. أيام معدودة مرت على وفاته، تلقت بعدها العائلة اتصالاً من مستشفى تل شومير الإسرائيلي يخبرها بموافقة المستشفى على علاج الطفل الذي لم يحتمله جسده الصغير. موافقة جاءت متأخرة بعد طلب تقدمت به والدة الطفل إلى «دائرة العلاج بالخارج» في رام الله، لكن خلال سبعة عشر يوماً، هي مدة الردّ، كان الطفل قد فارق الحياة.
«كل ما يصل من طلبات عاجلة يناشد بها مرضى غزة نوافق عليها»، هكذا يرد على اتصالاتنا المسؤولون في رام الله ممن يمثلون الجهة المخولة الموافقة على سفر المرضى للعلاج في مستشفيات الضفة المحتلة أو المستشفيات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، فضلاً عن مستشفيات في الأردن ومصر، التي تدفع فواتيرها السلطة.
هذا الرد يخالف ما تصرح به وزارة الصحة في غزة ومراكز حقوق الإنسان أيضاً. فبينما أكدت «منظمة الصحة العالمية» في بيان قبل أيام، «تراجع الموافقات المالية للسفر لتلقي العلاج منذ حزيران الماضي بنسبة 80% مقارنة بالعام المنصرم»، كرّر «مركز الميزان» في غزة (غير حكومي) فحوى البيان. وقال مدير المركز عصام يونس، إنهم لم يستطيعوا الحصول على أرقام دقيقة بأعداد المرضى عموماً أو المحتاجين إلى سفر، لكن في حزيران الماضي وحده بلغت نسبة التحويلات الطبية 64%، ثم انخفضت إلى 28% في تموز الماضي، الأمر الذي «ضاعف تردي الوضع الصحي».
وشدد يونس على أن «أي سلطة ملزمة بتوفير خدمات الصحة الأساسية للمرضى، خاصة مرضى السرطان الذين هم بحاجة إلى جلسات يمثل فيها الزمن عاملاً في غاية الأهمية»، علماً بأن إحصاءات شبه رسمية تسجل شهرياً اكتشاف 130 حالة إصابة بالسرطان في القطاع.
في المقابل، ينفي المسؤول عن ملفات التحويلات الطبية لمرضى غزة في «دائرة العلاج في الخارج»، الدكتور عبد الناصر دراغمة، حدوث تغيير في النسب عن الأعوام الماضية، قائلاً: «كل ما يصل إلى دائرة شراء الخدمة من غزة يجري التعامل معه دون استثناء، وجرت تغطيته مادياً دون أي تأخير، وفي اليوم نفسه الذي قدم فيه الطلب». وبينما ينفي مسؤولو «الصحة» في غزة هذا الحديث أيضاً، يقول دراغمة: «الحالات الطارئة تمرد عليها مباشرة الجهة المستقبلة (المستشفى)... حالات التأخير يكون السبب فيها الاحتلال».
وفيما لم تفلح محاولاتنا في الاتصال بالمدير العام للدائرة نفسها، أميرة الهندي، ردّ دراغمة بالقول إن قرار تحويل المريض متعلق أولاً بموافقة لجان داخلية في مستشفيات القطاع، التي تقرر بدورها هل يستحق المريض التحويل أم لا، ثم يأتي دورنا، مضيفاً: «نستقبل ما يقارب سبعين إلى مئة طلب تحويل طبي من قطاع غزة (شهرياً) كلها يُوافَق عليها».
لكن المتحدث الإعلامي باسم «الصحة» في غزة، أشرف القدرة، يؤكد أن «الوضع المنطقي يتطلب الموافقة على تحويل المريض خلال 24 ساعة للحالات الطارئة و3 أيام إلى أسبوع للحالات العادية... وهو ما لا تفعله رام الله»، مشيراً إلى حالة الطفل يوسف الأغا الذي قدمت عائلته طلباً في الثلاثين من أيار الماضي، ثم جددت الطلب حتى توفّي الطفل.
ووفق «منظمة الصحة العالمية»، فإن 477 غزياً فقط حصلوا على موافقة مالية للسفر لتلقي العلاج خلال الشهر الماضي مقارنة بـ1883 شخصاً حصلوا عليها في حزيران من العام الماضي. وجراء ذلك، بلغت حصيلة الوفيات منذ مطلع العام الجاري 24 مريضاً وفقاً لإحصاءات رسمية من وزارة الصحة في غزة.
وأبرز مسؤولون في «الصحة» تقريراً صادراً من رام الله عام 2016 يؤكد فيه أن حصة الضفة في التحويلات كانت 73% (الحصة المخصصة لها في الأصل يجب أن تكون 60%)، فيما بلغت حصة القطاع 27% (بدلاً من 40%)، وتقول الوزارة أيضاً إن مخازنها باتت تفتقد 184 صنفاً من الأدوية.
وبجانب رهن مصير مرضى غزة بالخلاف السياسي الدائر بين حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية، وكذلك تواصل إغلاق معبر رفح على الحدود مع مصر، تستمر القيود التي وضعتها إسرائيل على سفر المرضى عبر معبر «بيت حانون ــ إيريز»، شمال القطاع. فمن يحصل على قرار بالتحويل لا يعني أنه ضَمِن عبور «إيريز»، حيث يتعرض فلسطينيون كثر للابتزاز، ومنهم خالدية قديح التي ترقد في قسم الأورام في المستشفى الأوروبي في خانيونس منذ منتصف رمضان الماضي.
تقول قديح إن المخابرات الإسرائيلية طلبت مقابلتها عند المعبر، وهناك أبلغت بمنعها من الدخول «لدواعٍ أمنية» رغم أنها كانت قد جددت طلب السفر نحو ثلاث مرات، فيما روى آخرون استجوابهم قبل حصولهم على موافقة الدخول أو حتى ابتزازهم والضغط عليهم برهن دخولهم بالتعاون الأمني.