على الرغم من ترحيبها بالتسهيلات السعودية لدخول الحجاج إلى مكة، تحفظت قطر على الطريقة التي تمّ بها إخراج تلك التسهيلات، معتبرة أن ثمة «دوافع سياسية» من ورائها؛ دوافع تتعلق، بحسب ما تحدثت به أمس الأوساط الإعلامية المحسوبة على الدوحة، بمحاولة الرياض استغلال المناسك لـ«خلق معارضة قطرية»!
لم يفلح إعلان السعودية فتح حدودها البرية مع قطر للسماح للحجاج بدخول أراضيها في تخفيض مستوى التوتر بين عواصم المقاطعة والدوحة. على العكس ممّا تقدم، جاء الإعلان ليصبّ الزيت على النار، كونه فُسّر على المقلب القطري بأنه محاولة لـ«خلق بدائل وهمية للحكومة القطرية الشرعية».
تفصيل ذلك أن سلطات الرياض قدمت موافقتها على فتح منفذ سلوى الحدودي على أنها استجابة لوساطة الأمير القطري عبدالله بن علي آل ثاني، الذي التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة، أول من أمس، وهو ما رأت فيه الدوحة استمراراً في «الاستغلال السياسي لفريضة الحج»، الذي كانت قد بدأت باتهام السعودية به منذ الشهر الماضي، من خلال تأكيدها وجود تضييق على الحجاج القطريين.
ورحّب وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس، بقرار السلطات السعودية، لكنه تحدث عن «دوافع سياسية» خلف القرار. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته السويدية مارغريت والستروم، في ستوكهولم، رأى أن «ثمة مآرب أخرى» للطريقة التي تم بها إخراج الموافقة، مستدركاً بأن «ما يهمنا هو جوهر المسألة، وهو أن يكون هناك سبيل لمواطنينا للوصول إلى الحج»، مجدداً مطالبة بلاده بـ«عدم الزج بالحج في الخلافات السياسية». وأشار إلى أنه «حتى الآن، لم يوضح الجانب السعودي الآلية التي سيتم بها استقبال الحجاج القطريين»، محذراً من أنه «إذا لم نجد تعاوناً في هذه الإجراءات فإن السلطات السعودية تتحمّل مسؤولية تأمين المواطنين القطريين».
ما لم يُرد آل ثاني توضيحه في حديثه عن «الدوافع السياسية» تكفّل به الإعلام القطري، الذي اتهم السعودية بتصوير فريضة الحج كـ«مكرمة» يتفضّل بها مليكها على القطريين، وأيضاً، الاتهام الأكثر خطورة بـ«منح تسهيلات لفرع من الأسرة كأداة سياسية لخلق معارضة قطرية». وكان الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة القطرية للإعلام» (حكومية)، عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، لمّح إلى جانب من تلك الاتهامات بقوله إن السعوديين وجدوا في زيارة عبدالله آل ثاني لجدة «فرصة ليخرجوا من هذا المأزق، وحوّلوا الأمر إلى قبول وساطة». ونفى المسؤول القطري، في تغريدتين على «تويتر»، أن يكون خاله وسيطاً في أزمة الحج، موضحاً أن «زيارة خالي إلى السعودية كانت فقط بهدف حل بعض الأمور المتعلقة بممتلكاته الشخصية في حائل».
هذا الموقف المتحفّظ سجّلته، كذلك، «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في قطر، والتي رفضت إخضاع مسألة الحج «لأية حسابات أو وساطات سياسية أو شخصية»، منبّهة إلى أنها «حق أصيل نصّت عليه كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية». ورحّبت اللجنة، في الوقت نفسه، بالخطوة التي أقدمت عليها الرياض، لكنها أشارت إلى أنه «لا يزال يكتنفها الغموض، خصوصاً في ما يتعلق بالحجاج المقيمين في دولة قطر». وفي إطار السعي لكشف ما تعتبره الدوحة «غموضاً»، أعلنت وزارة الأوقاف القطرية أنها «ستقوم بالتواصل مع الجهات المختصة في السعودية للتأكد من سلامة الترتيبات والإجراءات المطلوبة في إطار بعثة الحج القطرية... بالإضافة إلى ترتيبات تأمين سلامة الحجاج القطريين». ورحّبت الوزارة بقرار السلطات السعودية، واصفة إياه بأنه «خطوة جيدة من شأنها تخفيض حدة التوتر»، لكنها شددت على «ضرورة عدم الزج بأداء تلك الشعائر في هذه الخلافات».
وجاءت هذه المواقف القطرية المتتالية بعدما أعلنت السعودية، ليل الأربعاء ــ الخميس، أن الملك سلمان بن عبد العزيز وجّه، بناءً على «وساطة» الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، بإدخال الحجاج القطريين إلى المملكة، براً وجواً، من دون تصاريح إلكترونية، وعلى «نفقته الخاصة». ويوم أمس، أعلنت هيئة الطيران المدني السعودية تخصيص 7 رحلات جوية لنقل الحجاج القطريين من الدوحة إلى جدة. وأفادت الهيئة، في بيان، بأن الرحلات مجدْولة في الفترة من 22 إلى 25 آب الجاري، على أن تكون رحلات العودة يوم 5 أيلول. وكان سلمان قد وجّه بـ«إرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط السعودية إلى مطار الدوحة، لنقل كافة الحجاج القطريين إلى مدينة جدة»، وأيضاً بـ«نقل كافة الحجاج القطريين (الذين سيدخلون المملكة براً عبر منفذ سلوى الحدودي) من مطار الملك فهد الدولي في الدمام ومطار الأحساء الدولي على ضيافته».