بعد عام من تراجع الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، تحت الضغط والتهديد، عن إدراج تحالف العدوان على «قائمة العار» الخاصة بالانتهاكات ضد الأطفال، يتعرض الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريس لضغوطات من أجل إعادة التحالف إلى القائمة، لا سيما مع انتشار تقرير أممي يتّهم الرياض بقتل مئات الأطفال في اليمن
نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أمس، مسودة تقرير «سرّي» أعدّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اتهم فيه تحالف العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن بارتكاب «انتهاكات جسيمة ضد الأطفال»، وبشنّ ضربات جوية أدّت إلى «مقتل 502 من الأطفال وإصابة 838 آخرين» العام الماضي.
وأشار التقرير المؤلف من 41 صفحة إلى أنه «خلال فترة إعداد التقرير، تسببت الغارات الجوية بمقتل 349 طفلاً وإصابة 333 آخرين على الأقل... مما يجعل التحالف مسؤولاً عن أكثر من نصف مجموع الإصابات بين الأطفال»، مؤكداً أن «عمليات قتل الأطفال وتشويههم في الحرب السعودية على اليمن لا تزال الأكثر انتشاراً».
وكانت الأمم المتحدة قد أكّدت في تقرير سابق أن التحالف مسؤول عن مقتل العدد الأكبر من الأطفال في اليمن (683 طفلاً)، وأن طائراته دمرّت 28 مدرسة على الأقل.
وكشفت «فورين بوليسي» أن الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالنزاعات المسلحة والأطفال، فرجينيا غامبا، تعتزم التوصية بإعادة إدراج تحالف العدوان على «لائحة العار» الخاصة بالانتهاكات ضد الأطفال في النزاعات المسلحة، وذلك بعد أن نجحت الرياض، العام الماضي، في ابتزاز الأمين العام السابق بان كي مون مادياً، ودفعه إلى إزالة المملكة وتحالفها من القائمة.
وعلى الرغم من أهمية توصيات المستشارة، إلا أن القرار النهائي يعود إلى الأمين العام الحالي غوتيريس، الذي سبق أن قالت منظمات حقوقية إنّ مواقفه في ما يخص حقوق الانسان «مخيّبة للآمال».
ووفق المجلة، «حثّ مسؤولون سعوديون، بشكل سرّي، الأمم المتحدة على الدخول في مناقشات رفيعة المستوى قبل نشر التقرير»، كاشفة قيام الرياض بـ«الضغط على الولايات المتحدة التي بدورها حثّت الأمم المتحدة على عدم إدراج التحالف... بحجة أنه يظلم بعض دول التحالف التي لم ترتكب أيّ انتهاكات».
ورأت «فورين بوليسي» أن نشر التقرير، الذي من المتوقّع أن يصدر في وقت لاحق من الشهر الحالي، وضع غوتيريس في موقف «صعب جدّاً»، معتبرة أن «قرار إعادة إدراج التحالف على قائمة العار قد يؤدي إلى قطيعة بين الأمم المتحدة والحكومات العربية... وإذا قرر الأمين العام عدم التصرف فسيتم اتهامه بتقويض التزام الأمم المتحدة بحقوق الانسان». وأشارت المجلة إلى أنه «في شباط الماضي، سعى غوتيريس إلى إيجاد حل وسط، مقترحاً تأجيل نشر التقرير من 3 إلى 6 أشهر، لتحفيز التحالف على تحسين سلوكه في اليمن».
ومنذ بدء العدوان على اليمن في عام 2015، تتعرض الأمم المتحدة لانتقادات من المنظمات الحقوقية التي تتهمها بالتساهل مع دول العدوان، وخاصةً السعودية، لا سيما بعد إقرار بان كي مون بأن قرار إزالة التحالف من قائمة الأمم المتحدة جاء تحت وطأة الضغط.
وفي هذا السياق، قالت نائبة مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أكشاي كومار، إنه «على الرغم من كل الوعود التي قدمها السعوديون إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتحسين سلوكهم، لم تحدث أي تحسينات في حياة الأطفال اليمنيين، ولا تزال المدارس تتعرض للهجمات، ولا تزال القنابل تسقط، ولا يزال الأطفال يقتلون».
وردّاً على تقرير «فورين بوليسي»، ادّعت بعثة السعودية لدى الأمم المتحدة أن «التحالف يحترم التزاماته بموجب قواعد ومبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية والقانون الدولي لحقوق الإنسان».
وتواجه اليمن ما يتم وصفه بـ«أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الأولى»، إذ أعلن المنسّق المقيم للأمم المتحدة في اليمن جيمي ماكغولدريك، أمس، أن عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في البلاد ارتفع إلى 20 مليون شخص. وأوضح ماكغولدريك، خلال مؤتمر صحافي عقده في صنعاء قبل يومين من «اليوم العالمي للعمل الإنساني»، أن «تفشّي وباء الكوليرا رفع العدد من 18 مليوناً إلى 20 مليوناً»، مشيراً إلى أن «17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي و7 ملايين غير قادرين على تأمين أيّ وجبة غذائية في اليوم... في حين يحتاج 500 ألف طفل دون الخامسة إلى عناية خاصة».
وأعلن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» في بيان نشره أمس، أن «تصاعد الصراع المسلح في اليمن... والتدهور الحاد في تقديم الخدمات في القطاعات العامة الرئيسية، وانقطاع الرواتب الشهرية، وانهيار الاقتصاد تقريباً، تسببت في ارتفاع حدّة الفقر المزمن في البلاد بشكل كبير... وفقدان حوالى 8 ملايين يمني لدخلهم المادي».
وتتزامن التقارير التي كشفت الغطاء عن الأوضاع الانسانية الصعبة التي يواجهها اليمنيون مع تقرير لوكالة الإغاثة الدولية «بروتكشن كلاستر» يؤكد ارتفاع معدل الغارات الجوية في اليمن، إذ «شهد اليمن غارات جوية في النصف الأول من العام الجاري أكثر من عام 2016 كله». ووفق تقرير الوكالة التي ترأسها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن مجمل عدد الغارات الجوية في الأشهر الستة الأولى من عام 2017 بلغ 5676 مقابل 3936 غارة خلال عام 2016 كله، مضيفاً أن وتيرة الاشتباكات على الأرض ارتفعت أيضاً، ولا سيما حول تعز.