تتكامل تحركات الجيش وحلفائه على محاور البادية لتؤمّن الطريق لهم للتحرك شرقاً نحو دير الزور، من دون المخاطرة بهجمات مباغتة يشنّها «داعش»، بعد إتمام حصاره في ريفي حمص وحماة. وبالتوازي، يأتي دخول «فيلق الرحمن» على خط «تخفيف التصعيد» ليطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة دوره المستقبلي ومآل العمليات العسكرية على جبهات يوجد فيها «الفيلق» جنباً إلى جنب مع «جبهة النصرة»


بعد جهد ميداني مكثف وسريع، أتمّ الجيش السوري وحلفاؤه خطوة مهمة ضمن عملياتهم لتحرير البادية والتقدم نحو دير الزور. فبعد إشراف تلك القوات أول من أمس على الطريق الرئيسي الواصل بين مناطق سيطرة «داعش» في ريفي حماة وحمص الشرقيين وبادية دير الزور، عادت أمس لتتم الحصار بشكل كامل على التنظيم، وتثبت نقاطها في محيط جبل الفاسدة جنوب شرق إثريا.

وخلال العملية التي عزلت ما يزيد على 3 آلاف كيلومتر مربع من مناطق سيطرة «داعش»، واكب سلاحا الجو السوري والروسي التحركات الأرضية، عبر استهداف جميع تحركات وحدات «داعش» التي حاولت التحرك باتجاه الشرق نحو دير الزور.
ويعكس الجهد الذي تركز لحصار التنظيم استراتيجية الجيش وحلفائه منذ معاركهم في ريف حلب الشرقي وشرق تدمر. يومها استنفرت القوات الجوية لمنع أرتال «داعش»، التي ترك لها «التحالف الدولي» بوابة الرقة الجنوبية مفتوحة، من التوجه نحو أرياف حماة وحمص ودير الزور. فعمليات الجيش التي كانت (على المحور الجنوبي) لا تزال في التلال الواقعة شرق تدمر، كانت ستصبح مغامرة غير مضمونة النتائج لو وصلت تعزيزات «داعش» إلى أطراف تدمر وقاعدة «T4».
واليوم، يخوض الجيش معادلة مكمّلة لتلك المرحلة؛ فتشتيت جبهات «داعش» ومحاربته على امتداد البادية، هدفهما الفعلي هو تحييد أيّ معارك جانبية موازية لمعركة دير الزور. ولذلك كان من الضروري عزل «داعش» في محيط عقيربات وجبل البلعاس، وقطع خطوط إمداده في الجبال الممتدة شرقاً نحو جبل البشري، والتي تحتوي تضاريس جغرافية بالغة القساوة. ويضاف إلى أهمية المعركة للتحرك شرقاً نحو وادي الفرات، تبعات إيجابية واسعة على الإنتاج النفطي والغازي، لكونها ستضمن أمان منطقة الحقول النفطية الممتدة من تدمر حتى ريف الرقة الجنوبي. وهو ما قد يسمح بعودة سريعة لتلك الحقول إلى دورة الإنتاج، على غرار ما حصل في عدد من الحقول التي حرّرها الجيش في ريف الرقة قبل أسابيع، والتي بدأت عمليات إعادة التأهيل على قسم منها.
وفي غضون ذلك، فرض الجيش سيطرة نارية على منطقة حميمة على أطراف بادية حمص الشرقية، وذلك بعد تحرك منسّق خلال اليومين الماضيين، مكّنه من تحرير غالبية التلال المحيطة بها من الجهتين الغربية والجنوبية. وسوف يخفف خروج المنطقة من يد «داعش» الضغط على القوات العاملة على طول الجبهة من شرق محطة «T3» حتى الحدود العراقية، لكونها شكلت منطلقاً لهجمات «داعش» المضادة، والتي سبّبت خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش وحلفائه، كما قد يتيح إطلاق تحرك سريع للسيطرة على منطقة صحراوية شاسعة تفصلها عن بلدات وادي الفرات، بوجود تغطية جوية للعملية قادرة على إعاقة تحركات «داعش» ومفخخاته.
وفي تطور وافق التوقعات والمعطيات، انضم «فيلق الرحمن» إلى اتفاقات «تخفيف التصعيد» عبر توقيعه تفاهماً جديداً مع وزارة الدفاع الروسية. وبدا لافتاً أن الاتفاق لم يوقّع في القاهرة على غرار ما جرى مع «جيش الإسلام»، بل في مدينة جنيف السويسرية. وهو ما يعدّ انعكاساً للخلافات الداخلية بين داعمي الفصائل المسلحة، وقد يفسّر رفض «الفيلق» السفر إلى القاهرة وتوقيع الاتفاق هناك.
وبينما لم يعلن كامل تفاصيل التفاهم الجديد، وما إذا كانت تطابق بنود سابقه في القاهرة، فإن المعلوم أن الهدنة بموجبه قد بدأت منذ الساعة التاسعة ليل أمس، وتتضمن وقف قيام «الفيلق» بأيّ أعمال عدائية، بما في ذلك قصف أيّ من البعثات الديبلوماسية الموجودة في دمشق، وبينها السفارة الروسية. كذلك، يتضمن تعهد «الفيلق» بالانضمام إلى الجهود المبذولة في الحرب ضد «جبهة النصرة» و«داعش». وهو وفق وزارة الدفاع الروسية أدخل «جميع مجموعات المعارضة المعتدلة التي تعمل في الغوطة» ضمن اتفاقات وقف إطلاق النار.
ويطرح توقيع «فيلق الرحمن» على بند يتضمن محاربة «جبهة النصرة» تساؤلات كثيرة، لكونه يحارب معها على معظم الجبهات غربي غوطة دمشق، وخاصة في العمليات العسكرية الجارية في عين ترما وجوبر. ويتكرّس هذا السؤال عند النظر إلى أحقيّة الجيش السوري في استكمال عملياته العسكرية على عدد من محاور الغوطة التي تضمّ «النصرة»، وبالتالي احتمال استهداف «الفيلق» ضمن تلك العمليات. كذلك سوف ينعكس الاتفاق على نزاع «جيش الإسلام» مع «النصرة»، واتهامه «الفيلق» بالحرب لمصلحتها هناك. وبدا لافتاً مساء أمس إعلان «جيش الإسلام» صدّه لهجوم نفذه عناصر «الفيلق» على نقاطه في مزارع الأشعري.

المصدر: الأخبار