شكلّت زيارة وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، لبغداد وأربيل أمس، الحدث الأبرز في العراق، فيما أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي، بياناً إثر لقائه بالمسؤول الأميركي، بدا مطمئناً وواثقاً بالمرحلة المقبلة
انتهى لقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بوزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، في بغداد، ببيان مقتضب أصدره مكتب العبادي، يؤكد أنّ المسؤول الذي وصل في زيارة غير معلنة إلى العاصمة العراقية، جدد «الدعم في الحرب على الإرهاب» و«رفض أي إجراء يهدف إلى تقسيم» العراق، وذلك في إشارة واضحة إلى الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي تنوي أربيل إجراءه في نهاية الشهر المقبل.
وتأتي زيارة ماتيس بعد يومين من إعلان العبادي بدء معارك استعادة قضاء تلعفر الواقع غرب مدينة الموصل والقريب إلى الحدود السورية، في عمليات يساندها «جواً» التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن. وأشار العبادي في مؤتمره الأسبوعي أمس، إلى أنّ «داعش ينهار» هناك.
وخلال اللقاء مع ماتيس، ذكر مكتب العبادي أنه جرى «بحث تعزيز التعاون... والحرب على الإرهاب»، فيما «جدد (ماتيس) دعم بلاده للعراق... مؤكداً أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم الحفاظ على وحدة العراق وترفض أي إجراء يهدف إلى تقسيمه وزعزعة استقراره».
وفيما اقتصر بيان مكتب العبادي على هذه الجوانب، استبقت وكالة «رويترز» وصول ماتيس إلى بغداد، ونقلت عن «مسؤولين أميركيين طلبوا عدم نشر أسمائهم» أنّ وزير الدفاع الأميركي «سيبحث مستقبل القوات الأميركية في العراق بعد استعادة المدن الباقية تحت سيطرة (داعش) والدور الذي يمكن أن تلعبه في عمليات تحقيق الاستقرار».
وبات من المعروف أنّ القوات الأميركية زادت أعداد عناصرها في العراق في خضم «الحرب على داعش»، وهو أمر لا تنفيه الحكومة العراقية، بل تدرجه في إطار الاتفاقات التي جرى التوصل إليها للمساعدة في هذه الحرب. علماً أنّ هناك جهات تشير صراحة إلى خشيتها حيال «الارتفاع السري لأعداد القوات الأميركية وانتشارها بين عدد من المحافظات العراقية ضمن قواعد عسكرية».
وشدد ماتيس قبيل وصوله إلى بغداد على أنّ استعادة مدينة الموصل ما كانت لتحدث «من دون ثبات رئيس الوزراء العبادي في إعادة تشكيل هذا الجيش الذي كان مشتتاً في عام 2014، الجيش الذي ورثه»، لافتاً في سياق حديثه إلى أنّ المعركة ضد «داعش» ليست قريبة من نهايتها.
وتعكس تصريحات الوزير الأميركي الترحيب الأميركي والغربي بـ«جهود» العبادي في إدارة البلاد في ظل «الحرب على داعش»، في وقت أنّ الأخير يوسّع مروحة العلاقات الإقليمية لبغداد بهدف تجنيبها «سياسات المحاور». وقد رحّب أول من أمس، المبعوث الرئاسي الأميركي في «التحالف» بيرت ماكغورك، بـ«التقارب التاريخي والجدي بين (السعودية) والعراق»، مشيراً إلى أنّ إدارته «تشجّع ذلك جداً».
وفي أربيل التي شكّلت المحطة العراقية الثانية لوزير الدفاع الأميركي، طغت مسألة إصرار رئيس الإقليم (المنتهية ولايته) مسعود البرزاني، على إجراء استفتاء الاستقلال «غير الملزم قانوناً» في موعده في 25 أيلول المقبل. وفيما تأخر صدور بيان عن اللقاء، استقبل البرزاني ماتيس بعد ساعات قليلة من إعلانه أمام وفد محلي «الحاجة إلى نشيد وطني جديد وتغيير العلم في الإقليم ليشمل رموز المكونات الأخرى بعد الاستقلال».
ويأتي حديث البرزاني في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات بين بغداد وأربيل بشأن الاستفتاء المرتقب. إلا أنّ البرزاني قال أمس، إنه «ليس من مصلحة (الأكراد) تأجيل الاستفتاء أو عدم إجرائه»، مضيفاً أن «وفد أربيل الذي زار بغداد أوضح رؤيتنا». علماً أنّ «رويترز» نقلت عن عضو فريق التفاوض عبد الله الزيدي، أنّ «جولة أولى من المحادثات عقدت في بغداد الأسبوع الماضي، قربت بين مواقف الجانبين»، فيما أضاف: «هم (أربيل) يبحثون عن ضمانات... وتُرك ذلك إلى الجولة المقبلة».
ومن المعروف أنّ واشنطن أعلنت مراراً رفضها إجراء الاستفتاء، خاصة أنّ «تنظيمه سيشكّل كارثة على الحرب ضد داعش»، فيما يقول مسؤولون أميركيون إنّ وزير الدفاع جايمس ماتيس، كان «سيحث مسعود البرزاني على إلغائه».
وفي المقابل، بينما جدد حيدر العبادي في مؤتمره الصحافي أمس، دعوته إلى «القادة الأكراد للتفكير بصورة جادة والابتعاد عن قرار الانفصال»، أعلن «مسؤول كردي كبير» لـ«رويترز» أنّ «أكراد العراق قد يدرسون إمكانية تأجيل الاستفتاء مقابل تنازلات مالية وسياسية من الحكومة المركزية في بغداد».
وفي غضون ذلك، بدا بارزاً، الانتقاد الواضح الذي وجهه «حزب العمال الكردستاني» إلى إجراء الاستفتاء، إذ أعلن عضو لجنته التنفيذية دوران كالكان، في حديث صحافي، أنّ «النقاش الذي يدور حول (المسألة) أصبح دعاية إعلامية ومسخرة في سبيل الضغط على بعض الأطراف في المنطقة».
وترفض معظم العواصم الإقليمية إجراء هذا الاستفتاء، في وقت يبدو فيه لافتاً أنّ عواصم قرار خليجية لم تعلن صراحة رفضها للمسألة بعد. وقبل أسابيع، دار حديث إعلامي نقلاً عن «مصادر كردية» يفيد بأنّ «البرزاني تلقى دعماً سعودياً وأردنياً وإماراتياً بالخصوص، وذلك في مقابل إنشائهم قواعد عسكرية في أربيل ودهوك سعياً إلى تشكيل قوة موازية لإيران وتركيا في المنطقة».
وتوقف معظم المتابعين في الساعات الأخيرة أمام إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ هناك تعاوناً بين أنقرة وطهران في الشأن الكردي. وكتب رئيس تحرير صحيفة «حرييت» التركية مراد يتكين، في افتتاحيته أمس، أنّ العاصمتين «تخشيان إقامة ممر بري يصل بين جبال قنديل في شمال العراق، وسنجار (غرب العراق وهي خارج إقليم كردستان)، يسيطر عليه حزب العمال الكردستاني، وفي ظل الظروف الراهنة، ستحميه الولايات المتحدة». ومن شأن «ممر» كهذا أن يصل الأراضي الواقعة تحت السيطرة الكردية في العراق بالأراضي الواقعة تحت السيطرة الكردية في سوريا.
وفي سياق متصل، توعد أردوغان أمس، بأنّ بلاده ستُحبط أي محاولة للأطراف الكردية التي تعتبرها أنقرة «إرهابية»، لإقامة دولة في شمال سوريا. وأعلن في كلمة في أنقرة: «لا نسمح ولن نسمح مطلقاً لوحدات حماية الشعب الكردية (التي تعتبرها تركيا مرتبطة بحزب العمّال) ولحزب الاتحاد الديموقراطي بإقامة ما يُسمى دولةً في شمال سوريا»، مشيراً إلى «أنهم يريدون إقامة ممر إرهاب في شمال سوريا يصل إلى البحر المتوسط».