لم تكد تمر ساعات على توصل «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي» إلى اتفاق بشأن فعالياتهما المتزامنة والمرتقبة اليوم، حتى سارعت طائرات تحالف العدوان إلى الانقضاض على تطبيقات ذلك الاتفاق، محاوِلةً إرباك عمل اللجان الأمنية في صنعاء، وحاصدة في طريقها أرواح 48 مدنياً
لم تكتفِ دول تحالف العدوان، في محاولاتها لتجيير الخلاف بين قطبَي جبهة صنعاء لمصلحتها، بالتصريحات السياسية والضخ الإعلامي المكثف في هذا الاتجاه، بل ذهبت أبعد من ذلك في تدخلاتها، مجلية عزماً صريحاً على الاستفادة من السجال اليمني لـ«كسر الجمود السياسي» على حد تعبير وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش.
يوم أمس، تمظهر العزم الخليجي بوضوح على أجساد 48 يمنياً مزقتها طائرات العدوان، بعدما أغارت بكثافة على مديرية أرحب وعلى النقاط الأمنية التي نُصبَت في مداخل صنعاء تحسباً للفعاليات المرتقبة اليوم، في اعتداء أريد منه إرباك اللجنتين العسكرية والأمنية، المشتركتين بين «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام»، واللتين كانتا قد اتفقتا، أول من أمس، على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين مهرجان «المؤتمر» في الذكرى الـ35 لتأسيسه، والفعاليات التي دعت إليها «أنصار الله» لحشد الدعم إلى الجبهات، في الوقت نفسه.
إلا أن ما لم تتنبه إليه قيادة «التحالف»، على ما يبدو، أن الدماء التي أريقت في صنعاء ستعيد شد العصب اليمني في مواجهة العدوان، وستسهم، أقله إلى حين، في امتصاص الاحتقان الداخلي الذي تولد خلال الأيام الماضية، وإعادة توجيه الأنظار نحو المسبّب الرئيس لما آلت إليه الأوضاع، وهو ما شددت عليه معظم المواقف التي صدرت عقب وقوع المجزرة. ورأى زعيم «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في بيان، أن «اعتداءات اليوم (أمس) تذكّرنا بأننا نعيش حالة الاستهداف والاستباحة كيمنيين»، مشدداً على ضرورة أن «تستمر بوصلة الموقف في الاتجاه الصحيح، وألا نغفل عن هذا الخطر والتهديد... ونغرق في متاهات سفاسف الأمور والمناكفات التي ينبغي الترفع عنها»، داعياً إلى «التعامل بمسؤولية وجدية وروح عملية».
وأشار الحوثي إلى «تركيز قوى العدوان على ضرب النقاط الأمنية» في وقت متزامن، واصفاً ذلك بأنه «خطوة مشبوهة ليس من المستبعد أن تكون على صلة بمساعٍ وترتيبات لتنفيذ جرائم بحق شعبنا وزعزعة الأمن والاستقرار في العاصمة»، حاضاً الأجهزة الأمنية على «بذل قُصاراها في حماية المواطنين في كافة الفعاليات... باعتبار الجميع يمنيين وعلى الدولة مسؤولية حمايتهم»، مناشداً «أنصار الله» و«المؤتمر» و«القوى الشريكة» «الحذر من مساعي الأعداء إلى شق الصف الوطني وإثارة الفتن الداخلية، وعدم السماح نهائياً لأي عميل أو عابث بإثارة أي فتنة».
بدوره، أدان الرئيس السابق، رئيس حزب «المؤتمر»، علي عبد الله صالح، مجزرة أرحب، لافتاً إلى أنها «تضاف إلى سجل العدوان المليء بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». وكرر، خلال اجتماع للجنة العامة لـ«المؤتمر»، طمأناته إلى أن مهرجان السبعين «ليس موجهاً ضد أي مكون على الإطلاق»، حاثاً أعضاء حزبه ومناصريه على «التوقف عن المهاترات»، مطالباً، في الوقت نفسه، «أنصار الله»، بـ«تحكيم العقل والمنطق دون اللجوء إلى الشتائم»، و«إذا في تباين... الحوار هو كفيل بحل هذه الإشكاليات». وقال إن مهرجان اليوم سيبعث برسالة إلى مجلس الأمن بأن «أوقفوا الحرب والعدوان»، مبدياً «استعدادنا للبحث في أمن دول الجوار... إذا كان اليمن يشكل خطورة».
وجاءت تصريحات الحوثي وصالح في أعقاب غارات شنتها طائرات تحالف العدوان على قرية بيت العذري في مديرية أرحب شمال صنعاء، وعلى النقاط الأمنية التي نُصبَت في مداخل العاصمة. واستهدفت إحدى الغارات فندقاً شعبياً في القرية، ما أدى إلى استشهاد 48 مدنياً وإصابة أكثر من 70 آخرين. ورأى الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، في تلك الضربات، تعبيراً عن «انزعاج العدوان من الأجهزة الأمنية التي أثبتت أنها بمستوى المسؤولية»، مضيفاً أن «العدو يصب جام غضبه لاستهداف الجانب الأمني للعاصمة».
ووقعت غارات العدوان على أرحب بعد ساعات فقط من توصل «أنصار الله» و«المؤتمر» إلى اتفاق بشأن فعالياتهما المتزامنة الخميس. ونص الاتفاق، الذي أُعلن بعد اجتماع للجنتين العسكرية والأمنية، أول من أمس، برئاسة رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، صالح الصماد، على أن تتولى اللجنتان «إجراء التنسيق اللازم بما يضمن نجاح مختلف الفعاليات في أجواء آمنة وأداء أمني عالي المستوى».