الإشكالية التي تواجه إسرائيل أنه كلما تطورت قدراتها العسكرية والتكنولوجية، تعاظمت في المقابل قدرات الردع والدفاع لدى حزب الله. وكلما ارتفعت دوافع العدوان لديها، اصطدمت
بعوامل كبح مضاد تحول دون تسييل هذه القدرات. نتيجة ذلك، باتت الهوة سحيقة بين ما ترغب فيه وما يمكنها تحقيقه. هذا الواقع الإشكالي يستفزّ عادة بعض الخبراء والمعلقين الذين يرون بوناً شاسعاً بين ما يلمسونه من قدرات هائلة لدى كيانهم، وما يشاهدونه من مسار تراجعي في مقابل حزب الله وبقية محور المقاومة
توقف الرئيس السابق لمجلس المستوطنات في الضفة والقطاع، إسرائيل هرئيل، عند إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في ذكرى انتصار 2006، أن ديمونا بات على مهداف صواريخ المقاومة. ولفت الى أن هذا الأمر جاء بعد قرار المحكمة الإسرائيلية إزالة حاويات الأمونيا من حيفا، بعد المعادلة التي فرضها السيد نصر الله باستهدافها في مواجهة أي عدوان واسع على لبنان.
هرئيل، الكاتب الدائم في صحيفة «هآرتس»، عنون مقالته بـ«الهدف ديمونا»، الذي يرمز الى قوة إسرائيل وضمانة وجودها. وهو بذلك، أراد الإيحاء بأن هذه الضمانة باتت على مهداف صواريخ حزب الله، فيما إسرائيل تكتفي بالتهديد والوعيد. وانتقد «التسليم الإسرائيلي» بالمعادلة التي نجح حزب الله في فرضها بفعل قدراته الصاروخية. وسخر من «الرد» على التهديد الذي يشكله تمركز إيران وحزب الله في الساحة السورية، بإرسال وفد أمني رفيع للتعبير عن القلق أمام رؤساء المؤسسة الأمنية في واشنطن، منتقداً عقد الآمال على «هذه الإدارة المهووسة». ومن الواضح أن هرئيل يرى في الاتصالات السياسية والأمنية، مع واشنطن، محاولة لتفادي الخيارات العدوانية التي اعتادتها إسرائيل منذ 1948، بعد النكسات التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي في لبنان. كما يرى فيها تراجعاً استراتيجياً يجسّده التسليم الإسرائيلي، على مستوى صناع القرار السياسي والأمني، بمعادلة الردع المضاد الذي فرضته المقاومة في لبنان.
هرئيل، الذي بقي رئيساً لمجلس المستوطنات لمدة 15 عاماً، وصف تباهي قائد سلاح الجو الإسرائيلي المنتهية ولايته حديثاً اللواء أمير إيشل، بأن إسرائيل نفذت في السنوات الخمس الماضية نحو مئة هجوم في سوريا، بأنه «فرح الفقراء»، إذ لم تمنع هذه الهجمات من نقل نحو 150 ألف صاروخ آخر الى حزب الله. وأراد هرئيل بذلك، تسليط الضوء على الجانب المظلم من عقيدة «المعركة بين الحروب»، التي أعلنتها إسرائيل والهادفة الى منع تعاظم قدرات حزب الله، باعتبار أن معيار نجاحها يكمن في نتائجها وتداعياتها على مستوى القدرات. ومن أهم تجليات هذه النتائج، الصراخ والتهويل الذي يعلو في الداخل الإسرائيلي، بفعل التعاظم النوعي والكمي الهائل في قدرات حزب الله.
تعهدات إيشل، وخليفته في المنصب اللواء عميكام نوركين، بأن «لدى إسرائيل وسائل رد حاسمة» في حال نفّذ نصر الله تهديداته بالهجوم على ديمونا أثارت غضب هرئيل، إذ لفت الى أن «الهجوم الأول هو الحاسم، ويمكن أن ينتهي بآلاف الضحايا وبأضرار جسيمة للبنى التحتية الأمنية والاقتصادية». وعلى ذلك، فإن المعضلة التي تواجهها إسرائيل: ماذا ستفعل في مواجهة امتلاك القدرة والإرادة بالرد على هذا المستوى في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتكررة بالتدمير الشامل للبنان؟
ودعا هرئيل إسرائيل إلى عدم تكرار الخضوع للمعادلات التي يفرضها حزب الله، وهذه المرة في الساحة السورية. وشدّد على أنه «يحظر على إسرائيل مواصلة التسليم بالتغييرات الاستراتيجية البعيدة المدى»، محذراً من تكرار التسليم بانتشار الحرس الثوري على حدود إسرائيل وسوريا ولبنان، وقريباً في غزة، وربما حتى في الأردن، «خشية أن يكون ذلك بعد فوات الأوان»، وخصوصاً أنه «لا توجد حدود لمرونة عقيدة الاحتواء الإسرائيلية».
وفيما رأى أن من المعقول الافتراض أنه لن يتم في هذه المرحلة إطلاق أي صاروخ إيراني على إسرائيل لأن ذلك لن يتم قبل استكمال إيران مشروعها لـ«الهيمنة الإقليمية» في المنطقة، سخر، ضمناً، من مقولة أن قوة الردع الإسرائيلية بعد حرب لبنان الثانية «الفاشلة» تحول دون إطلاق حزب الله صواريخه باتجاه إسرائيل، مشدداً على أن ما يمنع الحزب ليس هذا «الردع المزعوم». ووصل اليأس بالكاتب اليميني الى القول إنه «حتى عندما يطلق حزب الله آلاف الصواريخ التي تم تخزينها، فمن المشكوك فيه أن تقرر الحكومة استهداف المدنيين أو تدمير البنية التحتية، ولو من موقع الرد... فهذا الحق محجوز فقط لأعدائها».
وفي رد على ما تحاول القيادة الإسرائيلية تصويره عن مناعة قومية لدى الجمهور الإسرائيلي، لفت هرئيل الى أن ردود الفعل الإشكالية للمدنيين في الشمال في ضوء الهجمات الصاروخية خلال حرب لبنان الثانية، والهرب الجماعي لسكان النقب في ضوء قصف حماس خلال عملية «الجرف الصامد»، أثبتت أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية تتمتع بقدرة منخفضة، ومقلقة، على المواجهة. وهكذا استطاع هرئيل أن يجرد القيادة السياسية الإسرائيلية التي تحاول التخفيف من وطأة امتناعها عن المبادرة بفعل قيود الردع المضاد، وخاصة أنه رأى أيضاً أن اداء صناع القرار ينطوي على اعتماد سياسة الاحتواء، بعد التخلي عن سياسة الهجوم المضاد والمبادرة منذ حرب عام 1967.
ويندرج ضمن مبدأ التراجع عن سياسة الخيارات الوقائية والاستباقية، عزوف إسرائيل، برأي هرئيل، عن العمل على تحييد قدرات فصائل المقاومة في غزة، عبر «حفر العوائق البرية السلبية، ذات التكلفة الهائلة، والفعالية المشكوك فيها. هذه هي العقلية».
وكما هي الحال في كل مقاربة انتقادية، يحرص الكتّاب والخبراء الإسرائيليون على إحداث قدر من التوازن في الصورة تفادياً لانعكاساتها في الداخل الإسرائيلي. هكذا ختم هرئيل أنه في حال إطلاق الصواريخ من الشمال والشرق والجنوب ضد إسرائيل، فإن إسرائيل ستفوز بهذه المعركة، لكن بعد سقوط عشرات آلاف القتلى في صفوفها!