على الرغم من وجود حديث إعلامي وسياسي حول إمكانية عودة العلاقات بين السعودية وإيران، فإن الحقائق المغروسة من تاريخ هذه العلاقة، تُثبت أن المشكلة ليست في نية أو سلوك طهران بل في نية وسلوك الرياض. وهو ما يجب أن يُدرك المراقبون أنه يختلف بين السعودية وقطر. فتاريخ العلاقات بين إيران وقطر، يختلف عن تاريخ العلاقات بين السعودية وإيران. فماذا في عودة السفير القطري؟ وما هي المؤشرات التي يعتبرها البعض تفاؤلية فيما يخص العلاقات السعودية الإيرانية؟ وما هي الحقائق التي تطغى على كافة التوقعات؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
قطر تُعلن عودة سفيرها
أعلنت الدوحة أن سفيرها سيعود إلى طهران، مؤكّدة تطلعّها إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع إيران في المجالات كافة. وهو ما رحَّبت به طهران حيث أشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الخميس أن طهران ترحّب بعودة سفير قطر وترى أنها خطوة منطقية وإيجابية مشيراً إلى أن طهران مستعدة دائماً لروابط أفضل مع جيرانها في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وهو الأمر الذي التحليلات لتجعله مادة إعلامية تطرح العديد من الأسئلة حول إمكانية أن تكون العودة القطرية إنعطافة خليجية نحو إيران وهو ما قد يلحقه تحوُّل سعودي؟!
العلاقات الإيرانية السعودية: مؤشرات التفاؤل
خرجت عدة مؤشرات لتدل على تفاؤلٍ فيما يخص العلاقات الإيرانية السعودية. حيث اعتبرت وسائل إعلام عديدة، أن اطلاق السعودية لسراح صيادين ايرانيين، والمصافحة التي حصلت بين وزراء خارجية البلدين على هامش الإجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الاسلامي في تركيا كانت إحدى هذه المؤشرات. في حين برز الحديث عن وساطة العراق لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وهو ما لم تنفه طهران والرياض.
بين طهران والرياض: حقائق لا بد من ذكرها
لا بد من الوقوف عند عدة مسائل، تتعلق بأصل المشكلة بين الرياض وطهران، وهو ما نُشير له في التالي:
أولاً: تعتمد طهران سياسة ثابتة ومبدئية في التعاطي مع دول المنطقة قائمة على تعزيز العلاقات بين الدول واحترام شعوبها. حيث ترجب طهران دوماً بأي خطوة بناءة إيجابية تهدف لتحسين العلاقات بين دول المنطقة من أي جهة تصدر. 
ثانياً: تعتبر إيران أن مسألة توفير الأمن والإستقرار في المنطقة وتعزيز العلاقات الإقتصادية والتجارية يحتاج للتقدم في العلاقات الثنائية ومنع تدخل القوى الدولية والأطراف الغربية فيها.
ثالثاً: تسعى طهران دوماً لبذل الجهود السياسية اللازمة لحل المشكلات بين دول المنطقة و تعزيز علاقاتها مع بعضها، على قاعدة أن المنطقة بحاجة الى تعاون جماعي يتجاوز الخلافات ويُساهم في بناء الأرضيات اللازمة للحوار والتنسيق بين الدول.
من جهتها تتعاطى السعودية على الشكل التالي:
أولاً: تعتبر السعودية أنها الأعرف والأفقه بشؤون المنطقة، وترفض الرأي الآخر من قِبل أي دولة، حتى أنها تتدخل في شؤون الدول والشعوب بشكل علني وواضح.
ثانياً: لم تُفلح السعودية في ترسيخ نفسها كمرجعية على الرغم من تقديم نفسها كذلك. بل لقيت الرياض نفور الدول العربية والخليجية منها لا سيما خلال السنوات الأخيرة.
ثالثاً: إن المشكلة مع السعودية هي في الحقيقة مشكلة كافة دول المنطقة مع السعودية. فالطرف الإيراني هو آخر الأطراف التي قد تتضرَّر من وجود علاقة مأزومة. في وقت نجد فيه أن علاقة كافة دول المنطقة مع إيران جيدة.
الدلالات والنتائج
إن الحديث عن تفاؤل ممكن في العلاقة بين إيران والسعودية هو من الأمور الجيدة والتي تُرحِّب بها إيران. في حين يجب قول التالي:
أولاً: إن الرياض هي التي بادرت الى قطع علاقاتها مع ايران مُبررة ذلك بالهجوم الذي حصل من قبل ايرانيين على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. لكن الحقائق أشارت الى وجود أسباب أخرى غير ذلك، حيث أن طهران أوضحت أن ما جرى هو ردة فعل شعبية وأدانت ذلك واعتقلت المتورطين في الهجومين، الا أن الرياض أصرت على قطع العلاقات.
ثانياً: على الرغم من قيام السعودية بعدد من الممارسات التي تخص إيران كدولة وشعب (الإعتداء على الحجاج الإيرانيين و..)، فإن الطرف الإيراني لم يُقدم على أي عمل خدمة لوحدة شعوب المنطقة والأمة الإسلامية.
ثالثاً: تختلف طهران في مبادئها مع السعودية، حيث تعتمد الرياض لغة طائفية في التعاطي، وهو ما لا تقبله السياسة الإيرانية والتي تعتبر الخلافات سياسية. في حين فشلت رهانات السعودية في كل من سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي فرض تحولاً في الموقف السعودي، وهو غير كافي تجاه إعادة ترميم العلاقات.
إذاً، يجري الحديث عن عودة في العلاقات بين إيران والسعودية. علاقات لم ترفضها طهران يوماً، فيما سعت الرياض لقطعها. وهو ما يتم الحديث اليوم عن محاولاتٍ لترميمه. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها كثيرة. فالتحولات في الموقف السعودي تجاه سوريا، لا تعني بالضرورة اعتبارها مؤشر تفاؤل. فقبل الرضوخ السعودي رضخت واشنطن. في حين يبدو واضحاً أن الخلافات جوهرية. لكن هذا لا يعني عدم إمكانية الإصلاح. وهو ما يحتاج الى خطوات سعودية، ونوايا جديِّة. الأمر الذي أقدمت عليه إيران منذ زمن طويل.

المصدر: الوقت