الساعة 10.45 من مساء يوم الجمعة 11/8/2017، أربع مروحيات سورية تحمل على متنها قوة خاصة من الجيش العربي السوري مؤلفة من عشرات الرجال بقيادة العميد سهيل الحسن، ويساندها عدد من الخبراء والمستشارين الروس بقيادة لواء من الجيش الروسي. الهدف: تطويق منطقة "الكدير" و"خربة مكمان".
قوة الإسناد والحماية الجوية وفرتها ثلاث طائرات مروحية من طراز "مي-35" وأربع طائرات نفاثة من طراز سوخوي-34، ومروحيات تابعة للطيران الحربي الروسي من نوع "كا-52".
ما هي خصائص بعض من قوة الإسناد والحماية الجوية، والهدف "الحساس" وراء هذا التشكيل المقاتل المميز؟. نبذة عن قوة الإنزال، وبعض من خصائص عملية "الإبرار" الجوي... كيف تصرفت "داعش" ومشغلوها؟.
* قوة جويّة تلجم "داعش" ومن خلفها:
1- يمكن لمروحية "مي-35" تنفيذ مهام خاصة، مثل تأمين عمل مجموعات الاستطلاع والإنزال والإجلاء... في مختلف الظروف، فهي مزودة بأجهزة الرؤية الليلية، ونظام المراقبة عن طريق التصوير الحراري، لتكون قادرة على كشف وتشخيص مختلف تفاصيل الميدان على مدار الساعة وحتى مسافة 4 كم... واستخدام الصواريخ الموجهة وغير الموجهة والمدافع والرشاشات في نظام شبه أوتوماتيكي ليلاً ونهاراً، ناهيك عن تأمين مواصفات الملاحة العالية على الارتفاع المنخفض والإقلاع والهبوط من مطارات غير مجهزة، ومراقبة الأرض والاستطلاع ليلا ونهارا.
تتسلح المروحية بـ8 صواريخ موجهة من طراز "آتاكا" و80 صاروخاً غير موجه عيار 80 مم من طراز "اس-8" ومدفع "GSh-231" عيار 23 ملم، و يتكون من سبطانتين مع ذخيرة 450-470 طلقة، ويمكن للمدفع إطلاق ما يقرب من 3400 طلقة في الدقيقة الواحدة... ما يمكنها من كشف وتدمير الدبابات والمدرعات والعربات والتجمعات المعادية بكفاءة عالية، إلى جانب ميزة استهداف الطائرات بدون طيار والمروحيات... وبإمكانها اكتشاف كمائن العدو المموهة المضادة للطيران لحظة توجيه الليزر عليها فيتم تنشيط الأنظمة الدفاعية والخصائص الهجومية .
2- تنتمي طائرة "سو-34" إلى الجيل 4+ من المقاتلات القاذفة، وتستطيع ضرب الأهداف الأرضية والجوية، ويمكنها حمل (8) أطنان من الصواريخ والقنابل، وتم تجهيزها بمدفع رشاش عيار 30 ملم. وقد أثبتت نجاحاً باهراً في ضرب الأهداف الإرهابية على الأراضي السورية، وتنوعت هذه الأهداف من المواقع المكشوفة إلى قوافل الإرهابيين وصهاريج النفط المسروق، وحتى الأهداف المحصنة والعميقة... كما أنها تصنف بقاذفة الخطوط الأمامية، وتدمير الأهداف البرية في جميع الأحوال الجوية في الليل والنهار، إلا أن الهدف "الحساس" لهذه الطائرات إلى جانب الإسناد الناري لقوة الإبرار، وفي هذه المهمّة تحديداً، كان توفير الغطاء الجوي المحكم بوجه أي تشكيل معاد، وخصوصاً ضد طائرات واشنطن وتحالفها المعادي... حيث يستطيع الرادار الخاص بطائرة "سو-34" أن يكتشف (10) أهداف تبعد (120) كيلومترا عن الطائرة، ومهاجمة (4) أهداف منها على بعد (100) كيلومتر عنها في آن واحد.
أي أن سرب من أربع طائرات "سو-34" قادر على مواجهة "16" طائرة معادية في الظروف العادية، ولكن عند إضافة ميزة التخفي والحرب الإلكترونية "خيبيني-10" الموجودة في هذه الطائرة فإن عدد الطائرات اللازم لمجابهة سرب السوخوي-34 يجب مضاعفته عدة مرات، بسبب قدرة هذه التقنية على حماية الطائرة والطائرات الصديقة بعمليات تشويش وإعاقة إلكترونية، وشلّ لأنظمة توجيه الصواريخ المضادة للطائرات.
عملية "إنزال" فريدة:
غالباً ما يقصد بعبارة إنزال جوي، إسقاط قوة عسكرية بالمظلات لتحقيق أهداف محددة، ومن ثم يتم إخلاء القوة بعد تحقيق هدفها إلى مكان آمن... لكن ما تم في هذه العملية تحديداً أمر نادر الحدوث، حيث كان القصد الإشتباك والسيطرة على المواقع خلف خطوط العدو، والتثبيت إلى حين وصول القوة الرئيسية المهاجمة.
العميد سهيل الحسن، من أوائل خريجي الكلية الحربية الجوية -دفعة 1991- وقائد وحدة العمليات الخاصة في المخابرات الجوية، كان يعيش تخصصه ونشأت حياته الميدانية في هذه العمليّة... تم إنتخاب مجموعة عسكرية ذات تدريب متقدم مكونة من (40) جندياً سورياً، للقيام بمهمة معقدة وصعبة وعالية الخطورة... خلف خطوط العدو. قوات ذات تسليح خفيف، تفتقر إلى الإمدادات والمعدات اللازمة لعمليات القتال لفترة طويلة، في عمق مناطق سيطرة "داعش" المجرمة والمتوحشة، وأقرب نقطة صديقة تبعد عن نقطة الإنزال 20كم... والمطلوب التمسك بالسيطرة إلى حين وصول القوات الصديقة؟!. بعد التمهيد المدفعي والصاروخي العنيفين، من "العدم" وجوف العتمة، ظهرت المروحيات التي كانت تحلق على إرتفاع 4000م، هبطت في النقطة المحددة، بدأت عملية "إبرار" القوات على عجل لتغادر مروحيات النقل سريعا...
قوة ذات تدريب ولياقته بدنية عالية وحضور ذهني متقد، يتقن أفرادها جميع تكتيكات القتال البري المتخصص مثل : الرماية بمختلف أوضاعها وعناصرها، من رماية نهارية وليلية، والرماية في ظروف الإشتباك مع أفراد أو مع وحدات آلية ومدرعة... كما تتقن تكتيك إطلاق النار من الحركة، ومهاجمة المواقع المحصنة واقتحامها، والإشتباك مع عناصرها ناريّاً ويدويّاً، قادرة على الإستطلاع و التخفي نهاراً وليلاً وفي كافة الظروف الجوية والجغرافية الموجود بأرض المعركة، وعلى التعايش مع الطبيعية في الموقع-الهدف.
جرت الأمور كما خٌطط لها ليعلن الجيش العربي السوري في بيان له عن السيطرة على ثلاث قرى في عمق البادية بعد عملية الإنزال الجوي الناجحة خلف خطوط التنظيم الإرهابي جنوب بلدة الكدير على الحدود الإدارية بين الرقة وحمص. وأشار البيان إلى أن عملية الإنزال الجوي الناجحة "أسهمت في تأمين تقدم وحدات الجيش والقوات الرديفة لمسافة (21)كم والسيطرة على خربة مكمان وبلدة الكدير، والتقدم لمسافة (12)كم جنوب شرق الرقة والسيطرة على قرية بير الرحوم بعد القضاء على أعداد كبيرة من إرهابيي داعش، وتدمير (3) دبابات، و(17) عربة مزودة برشاش، و(7) سيارات مفخخة وإبطال اثنتين، والاستيلاء على دبابتين وعدد من المدافع المتنوعة.
* ردّ داعش ورعاتها:
ظهيرة الأحد 20/8/2017، قامت طائرات تحالف واشنطن بتنفيذ (4) غارات بالتزامن مع هجوم واسع وعنيف لـ"داعش"، على مواقع الجيش العربي السوري والقوى الرديفة في ذات المنطقة التي سيطر عليها الجيش بعملية الإبرار الناجحة. تراوحت الأهداف بين محاولة لتكرار جبال الشدادي في دير الزور، ومنع إغلاق الجيب الضخم -11,000كم مربع- على داعش من بوابة السخنة- دير الزور... فشلت واشنطن في مسعاها، حيث -الإقتباس هنا من أحد القادة الميدانيين-(استطاعت قواتنا بحرفية إنتشارها، والتكتيك العالي من امتصاص الضربات بأقل الخسائر: (2) عربة ب-أم-ب، و(3) شهداء، وحوالي (20) جريحاً... ورغم كل هذه الخسائر استطاعت قواتنا امتصاص الصدمة، وإبادة كل القوات المهاجمة لداعش وتدميرها، والتقدم إلى الطيبه وتحريرها...).
ومنذ ذلك الإنزال، عملت واشنطن على التحضير لفتح جبهة ريف دير الزور الشمالي-الشرقي، للضغط على جيشنا، بدفع داعش نحو نقاطه ومحاور تقدمه والمدينة أكثر وأكثر أولاً، وإفشال مهمته بفك الحصار عن المدينة والسيطرة عليها ثانياً... وبدأت "داعش" بالدفع بمجاميعها الإرهابية إلى مهاجمة قطاعات الجيش العربي السوري والقوى الرديفة والحليفة في محيط مدينة دير الزور، كما حصل في "حميمه" في أقصى ريف حمص الشرقي، والهجوم الواسع والشرس على القوى المتقدمة في ريف الرقة الجنوبي-الغربي قبل أيام... لكنّ ذلك لم يمنع ولن يمنع، تقدم الجيش العربي السوري والقوى الحليفة والرديفة؛ بل شكل هذا التكتيك في بعض الحالات فرصة لحامية دير الزور المحاصرة لمهاجمة مواقع داعش ي أكثر من محور.
* كلمة أخيرة:
لم يكن بإمكان الجيش التقدم نحو دير الزور وخلفه جيب من 11 ألف كيلومتر تسرح فيها قطعان "داعش" بـ"أريحية" ويمكن لها أن تضرب حيث تشاء: تدمر، طريق حلب، مطار تي-4... لذلك برزت الحاجة لعملية نوعية وصادمة، تربك "داعش" وخطوط دفاعها، وتفتح باباً جديداً لهجمات صاعقة لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها، وتسمح للجيش العربي السوري باستعراض قوته وبأس جنوده وجسارتهم... أطبق على الجيب وقطعت أوصاله من الأطراف إلى المركز، بعد إغلاق بوابة الجيب نحو ريفي الرقة ودير الزور في السخنه، ليتم مؤخراً حصار وتقطيع أوصال مناطق تواجد هذه القطعان في المنطقة الأكثر تعقيداً ووعورة في ريفي حمص وحماه الشرقي حيث الجبال والمغاور والتضاريس المعقدة... خصوصاً عقيربات وجبال البلعاس، مقار القيادة ومخازن الذخيرة الأهم والأضخم للفصيل الأخطر من تيارات "داعش". تأمنّ ظهر القوة المتقدمة، وأصبح فك الحصار عن ألآف المقاتلين الأشداء في مدينة دير الزور قريباً جداً... وربما يكون خروج قرابة (10) ألآف مقاتل إستثنائي من قلب المدينة المحاصرة، واحد من أسوأ كوابيس واشنطن و "داعش" التي يتمنون لو لا يروها... وإلا كيف لنا أن نفسر القصف الأمريكي المتزامن مع هجوم "داعش" على جبال الثردة، قلب المدينة وبوابة شطرها إلى جزأين قبل أشهر؟!.

المصدر: شام تايمز