مجدداً يفخر بنيامين نتنياهو بما أنجزه في السنوات الماضية على صعيد العلاقة مع أنظمة عربية. ورغم استعماله التلميح، فإن فحوى كلامه يشير إلى دول خليجية على وجه التحديد تسارع إلى تصعيد مستويات العلاقة، في وقت يستمر فيه برنامج الأميركيين لفرض تسوية «مذلة» على السلطة الفلسطينية
لم يكشف رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سراً عندما تحدث عن علاقات سرية غير مسبوقة تاريخياً مع دول عربية، باتت أسماؤها أشهر من أن تذكر. ومع أن نتنياهو اكتفى بالعموميات في تحديد طبيعة هذه العلاقات، فإنه كشف أنها من النوع الذي لا يفصح عنه، وهو ما ينطبق على التعاون المشترك في مواجهة أطراف محور المقاومة. وفي ما يخدم هذا المسار، تتزايد المعطيات التي تتحدث عن قمة أميركية ــ إسرائيلية ــ فلسطينية، في سياق صفقة إقليمية، تهدف في النهاية إلى إيجاد الظرف الملائم للخروج بالتعاون السري إلى المرحلة العلنية.
وفي العموم، ليس مفاجئاً أن يتباهى نتنياهو بأن أبواب العالم مفتوحة أمام إسرائيل من دون التوصل إلى اتفاق تسوية مع الفلسطينيين، خاصة أن العالم يرى أن دولاً عربية تهرول مسرعة للتطبيع مع تل أبيب في الوقت الذي تواصل فيه التنكيل بالفلسطينيين على المستويات السياسية والأمنية والجماهيرية. ففي كل يوم تذل إسرائيل أنصار التسوية، وكلما تراجعوا خطوة إلى الوراء، واصلت الضغوط عليهم ليتراجعوا أكثر. وعلى المستوى الأمني، تواصل سياسة الاعتقالات والاعتداءات، وعلى المستوى الشعبي، تواصل سياسة الحصار على قطاع غزة، والتضييق على سكان الضفة المحتلة، إضافة إلى كل ذلك، الزحف الاستيطاني.
وما مكَّن نتنياهو من مواصلة سياسة القمع التي يتبعها ضد الشعب الفلسطيني إدراكه أنه لن يترتب عليها أي أثمان، بما فيها الأثمان السياسية، انطلاقاً من أن أكثر الأنظمة العربية إما أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، وإما مشغولة بأولويات أخرى. ومن هنا يأتي ما لفت إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية في أن «ما يحدث مع كتلة الدول العربية لم يسبق حدوثه تاريخياً، حتى عندما كنا نبرم الاتفاقات. ورغم عدم بلوغ التعاون بشتى الطرق والمستويات مرحلة الظهور علناً بعد، فإن الأمور الجارية بصورة غير معلنة أوسع نطاقاً إلى حد كبير من أي حقبة مضت على تاريخ دولة إسرائيل». وفي هذا الحديث ما يشير إلى أبواب واسعة من التعاون بين معسكر «الاعتدال» العربي وإسرائيل على المستويات كافة، بما فيها الاستخبارية والعملانية، وذلك في مواجهة «التهديدات المشتركة».
مع ذلك، والتزاماً بالتكتيك المتّبع في مواجهة أيّ دعوة لتسوية نهائية تلبّي الحد الأدنى من شروط أنصار التسوية، يأتي اتهام نتنياهو الجانب الفلسطيني ـــ السلطة بوضع الشروط أمام استئناف المفاوضات، وأنه ليس بإمكان إسرائيل قبول هذه الشروط.
وترجمة للضريبة الكلامية، التي تجد إسرائيل أنه لا بد منها، رأى نتنياهو في كلمة خلال حفل في الخارجية الإسرائيلية، لمناسبة عيد رأس السنة العبرية الذي يصادف بعد أسبوعين، أن «الفرضية التي كانت سائدة سابقاً تقضي بأن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وهو أمر كنا نريده وما زلنا نريده، سيفتح أبواب العالم أمامنا، ومع أن ذلك سيساعد دون شك، فإن أبواب العالم تُفتح دون ذلك أيضاً، ولكن ذلك لا يقلّل أهمية دراسة المسارات والعملية السياسية والتطبيع».
ومع أن السلطة تنازلت عن نحو %80 من أرض فلسطين، بعدما وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء على الكتل الاستيطانية الكبرى، واستعداد رام الله للتنازل عن قضية اللاجئين ضمن إطار تسوية شاملة، وأيضاً البحث في أي صيغة تشكل مخرجاً لقضية شرقي القدس، اتهم نتنياهو الفلسطينيين بأنهم «لم يعدلوا بعد شروطهم للتوصل إلى تسوية سياسية، مع أنها غير مقبولة بالنسبة إلى قسم كبير من الجمهور».
في السياق نفسه، لفت نتنياهو إلى أن علاقات إسرائيل في ظل حكوماته الأخيرة «أصبحت أقوى مع دول عدة في العالم، بينها الولايات المتحدة ودول أوروبا وأستراليا وأفريقيا وآسيا وآذربيجان وكازاخستان». وبعدما أعلن التغيّر الإيجابي في علاقة تل أبيب مع العالم العربي، لفت إلى أن ما يجري «تغيير كبير، فالعالم برمته يتغيّر، ولكن لا يعني ذلك أنه حدث تغيير في المحافل الدولية والأمم المتحدة واليونسكو بعد»، حيث تواجه إسرائيل انتقادات شديدة بسبب سياستها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
على خطّ موازٍ، كشفت صحيفة «هآرتس» أمس عن قمة ثلاثية تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبنيامين نتنياهو، على هامش قمة الأمم المتحدة التي ستعقد بعد أسبوعين في واشنطن. ويهدف ترامب من القمة إلى بحث سبل تحريك المفاوضات بين الجانبين، ضمن تسوية إقليمية، التزاماً بالمبادرة التي أطلقها بعد توليه منصبه وزيارته للشرق الأوسط في أيار الماضي.
وقالت الصحيفة إن ترامب «عمّم على طاقم مستشاريه المشرفين على ملف المفاوضات، وأبرزهم صهره جاريد كوشنير، ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، تصميمه على التوصل إلى تسوية وصفقة إقليمية، وأن ذلك على رأس جدول اهتماماته في السياسة الخارجية الأميركية».
ويتوقع أيضاً أن يبحث اللقاء في قضايا دبلوماسية وأمنية، مثل قضية الاتفاق النووي الإيراني والتسوية في سوريا. ولفتت «هآرتس» إلى أن المفاوضات التي تجري حالياً تتمحور حول تحديد مواعيد اللقاءات التي ستجمع الثلاثة. ورجّحت مصادر دبلوماسية إسرائيلية وفلسطينية أن مواعيد اللقاءات قد تكون بين 17 و19 أيلول الجاري. مع ذلك، أكد مصدر أميركي في البيت الأبيض أن جدول ومواعيد اللقاءات والجلسات ستنشر فور إغلاق تسجيل المواعيد.