بينما تنشط التحضيرات لانعقاد جولة محادثات أستانا المقبلة، وسط تفاؤل تركي ــ روسي مشترك، تتسارع عمليات الجيش السوري وحلفائه في محيط دير الزور الشرقي، فيما يبدو أنه تمهيد لعبور النهر شمال بلدة الجفرة. ويبدو تحرك الجيش استباقاً لوصول «قوات سوريا الديموقراطية» التي واصلت الزحف نحو أطراف المدينة الشمالية

تحولت مدينة دير الزور ومحيطها القريب إلى مركز العمليات العسكرية الأنشط في الميدان السوري، مع توسيع الجيش عملياته على أطراف المدينة الغربي والشرقي، واقتراب «قوات سوريا الديموقراطية» أكثر من أطراف المدينة الشمالية. سرعة التحرك على جبهات الدير لم تترك فرصة لتنظيم «داعش» ــ حتى الآن ــ لشنّ هجمات مضادة عنيفة، كان سبق أن نفذ مثلها في عدة مناطق؛ أبرزها في ريف الرقة الجنوبي ومحيط حميمة في ريف دير الزور الجنوبي.

وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الحصار ضمن المدينة سوف ينقلب ضد «داعش» خلال وقت قصير، إذ صعّد الجيش من عملياته شرق المدينة انطلاقاً من المطار العسكري، فارضاً سيطرته على عدد من النقاط داخل الجفرة. السيطرة على البلدة المحاذية لنهر الفرات من الجنوب، سوف يتيح إطباق الحصار على «داعش» في الأحياء التي يسيطر عليها وفي حويجة صكر، بين الجيش من الجنوب ونهر الفرات من الشمال. ومن المتوقع أن يتحرك الجيش للسيطرة على حويجة صكر بعد الجفرة، لتعزيز الضغط على التنظيم وحصره داخل أحياء المدينة فقط. وفي موازاة تلك العمليات، تابع سلاحا الجو والمدفعية استهداف تحركات «داعش» في محيط جبل الثردة في الجنوب الشرقي، وفي محيط بلدات عياش والبغيلية وحطلة والحويقة في محيط المدينة.
وتفيد المعلومات بأن الجيش يستعد لإنشاء جسور عسكرية مؤقتة بعد تثبيت نقاطه في الجفرة، تمهيداً لعبور قوات نحو شرق بلدة حطلة على الضفة الشمالية للفرات. وسوف يتيح التمركز في هذا الموقع التقدم لاحقاً للسيطرة على الطريق الرئيس بين المدينة وبلدات الريف الشرقي على الضفة الشمالية، لكون المسافة التي تفصل النهر عن الطريق هناك عند بلدة مراط، لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات. كذلك، سيقطع تحرك الجيش الطريق على أي تقدم محتمل لـ«قوات سوريا الديموقراطية» عبر هذا الطريق، لا سيما مع وصولها إلى مدخله الشمالي الغربي أمس.

وتمكنت «قوات سوريا الديموقراطية» بدعم من قوات «التحالف الدولي»، أمس، من توسيع سيطرتها في محيط «اللواء 113 ــ دفاع جوي»، عبر السيطرة على محطة السكك الحديدة ومعمل الورق في محيطه الغربي، وعلى معملي النسيح والسكر شرقه، الواقعين على الطريق الرئيس بين دير الزور والحسكة. وبعد هذا التقدم، بقي هناك بلدتان تفصلان «قسد» عن ضفة الفرات الشمالية مقابل أحياء المدينة، وهما الصالحية والحسينية. ومن المتوقع أن يحاول التنظيم الدفاع عن البلدتين بشكل أقوى من دفاعه السابق ضد «قسد» في المناطق المفتوحة، لا سيما أن سيطرة «قسد» عليهما سوف تكمل عزل الريفين الغربي والشرقي للمحافظة.
ويطرح أيّ تقدم محتمل للجيش إلى الجانب الآخر من نهر الفرات تساؤلات عديدة عن طبيعة ردّ «التحالف الدولي» المحتمل. ورغم تأكيد مصادر أميركية متعددة سابقاً أن خط «منع التصادم» الذي تم الاتفاق عليه بين واشنطن وموسكو في ريف الرقة الجنوبي «يمتد مع النهر جنوباً»، فإن من الضرورة الإشارة إلى توضيحات أوردها وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس ــ خلال زيارته الأخيرة لبغداد ــ في معرض حديثه عن خط «منع التصادم»، وقال فيها إنه إذا كانت القوات التي تدعمها روسيا «بحاجة للتحرك شمال النهر من أجل متابعة أحد الأهداف... يجب عليهم الاتصال بنا أولاً»، مضيفاً القول: «كما تعلمون، نحن نعمل جنوب هذا الخط في الرقة، وهكذا فعلنا مع الجانب الروسي».
ويمكن البناء على تصريحات ماتيس تلك، وعلى التزام «التحالف» بسحب طائرات المراقبة العاملة تحت إمرته من أجواء بعض المواقع في البادية قبل أيام بناءً على طلب روسي ترافق مع تقدم القوات الحكومية على الأرض، للقول إن عبور الجيش نهر الفرات قد لا يستجلب تدخلاً أميركياً بوجود الوسيط الروسي، أقله حتى وقوع تماس بين الجيش و«قسد» شمال النهر.
وفي موازاة العمليات المكثفة في محيط دير الزور، وبالتزامن مع اقتراب موعد اجتماع «أستانا» المقبل، وصل أمس وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق في زيارة غير معلنة، حاملاً رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرئيس السوري بشار الأسد. اللقاء بين الأسد وشويغو تطرق وفق ما أوضحت الرئاسة السورية ووزارة الخارجية الروسية إلى الإنجاز المحقق في دير الزور ضد «داعش»، وناقش خطط التعاون بين الجيش السوري والقوات الروسية لتحرير مدينة دير الزور بالكامل... وجميع المناطق السورية. وجرى الحديث عن مسار «أستانا» ومناطق «تخفيف التصعيد» التي أقرّت عبره، وانعكاسها إيجاباً على تسريع إنجازات الجيش وحلفائه.
وضمن سياق الحديث عن جولة محادثات أستانا المرتقب انطلاقها غداً، يشير النشاط الديبلوماسي الروسي في العواصم الإقليمية المعنية بالملف السوري إلى احتمال الإعلان عن توافقات جديدة حول مناطق «تخفيف تصعيد» جديدة في ختام الاجتماعات. وانعكس هذا التفاؤل على حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عودته من كازاخستان، بعد مشاركته في مؤتمر «منظمة التعاون الإسلامي»، إذ أوضح للصحافيين المرافقين له أن بلاده «على وفاق تام مع روسيا حول الملف السوري»، مشدداً على أن «العملية في إدلب تمشي وفق اتفاقنا مع روسيا». وأكد أنه خلال المشاورات التحضيرية لاجتماع «أستانا» التي عقدت في طهران «لم يكن هناك أي نقطة خلافية على جدول الأعمال»، مضيفاً أن «هذه المحادثات الصحية سوف تستمر بعد اجتماع أستانا».
كذلك بدا التفاؤل حاضراً لدى أطراف المعارضة المسلحة المشاركة في الاجتماع؛ فقد نقلت وكالة «الأناضول» التركية عن رئيس الهيئة السياسية في «جيش الإسلام» محمد علوش قوله إن «هناك مشاركة كبيرة من المعارضة في المؤتمر (أستانا)، وسوف يكون هناك نقاش كبير حول إدلب، وهو موضوع حساس ومهم». وأشار علوش إلى أن منطقة «القلمون (الشرقي) أيضاً ضُمّت إلى مناطق خفض التوتر، وأعتقد أنه سيتم ضم منطقة جديدة، وهي جنوب العاصمة دمشق». ولفت إلى أن حدود بعض مناطق «تخفيف التصعيد» قد تم التوافق عليها بالفعل، فيما لا يزال بعضها الآخر «قيد التفاوض»، معرباً عن اعتقاده بأن «جولة أستانا المقبلة ستكون فيها نسبة نجاح كبيرة». وحول الوضع في مدينة إدلب، قال علوش إن «الحل (في رأيه) يكمن في حل جماعة الجولاني «هيئة تحرير الشام» نفسها، وأن تكون إدلب تحت إدارة مدينة، ويعود «الجيش الحر» إلى قيادة الوضع هناك إلى حين الانتهاء من تأسيس الجيش الوطني».

المصدر: الأخبار