تشعر مملكة البحرين بثقة مفرطة في النفس. واذا كانت الثقة بالنفس علامة عافية، فإنها بالنسبة الى البحرين تبدو مقامرة سياسية غير محسوبة العواقب. وهي مقامرة لأنها في المدى المنظور، قد تكون نتائجها رهن بتقلبات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو يشق طريقه بكل الوسائل الميكيافلية نحو العرش.
ومنذ الانقلاب الأبيض على ولي العهد الأول محمد بن نايف، وازاحته في ظلام الليل، والتكهنات تتوالى عن اليوم الذي سيخرج فيه الملك سلمان بخطاب يعين فيه ابنه محمد، ملكا.
وكان من اللافت ان التكهنات تجددت في الأيام الماضية حول قرب هذا الموعد، مع ورود اخبار الاتصالات الهاتفية المتكررة بين الملك والرئيس الأميركي دونالد ترامب. كما تعززت هذه التكهنات، مع خفوت، وليس اختفاء، حالة التململ التي تتحدث عنها تقارير من داخل قصور امراء آل سعود، إزاء الصعود السريع والمفاجئ والمبكر لمحمد بن سلمان، لا بالنسبة الى عامة المواطنين، وانما حتى بالنسبة الى امراء العائلة.
في هذه الأجواء، يحتاج محمد بن سلمان الى كل الفرص المتاحة، داخليا وخارجيا، لاغتنامها، وهو ما يفعله أساسا، سواء بمسائل مرتبطة بالسياسات الخارجية للمملكة، او داخلية تمنحه زخما شعبيا إضافيا كحضوره المفاجئ مباراة كرة القدم بين السعودية واليابان قبل أيام.
ومن الإشارات أيضا، التحسن الذي طرأ على التخاطب السعودي ـ الإيراني. صحيح انه سبق للرياض وطهران ان اظهرتا ولو كلاميا، رغبة في الود الحذر، الا ان حاجة محمد بن سلمان الماسة لتهيئة كل الظروف امام صعوده الشاق الى الحكم، قد تملي على السياسات السعودية بعض التبدلات، ومن المرجح ان البحرين قد تكون من بين المتأثرين بها.
صحيح اننا قد لا نرى قوات “درع الجزيرة” تنسحب قريبا بانهاء تدخلها العسكري في الجزيرة البحرينية، لكن الحاجة الاقليمية والدولية قد تفرض تخفيف الاحتقان البحريني الداخلي.
المشكلة هنا، قد تكون بالنسبة الى الحكم البحريني، انه بسبب عوامل عدة، تاريخية وسياسية وجغرافية واقتصادية وغيرها، وبسبب ارتباطه المثير للقلق بإرادة السياسات السعودية شبه المطلقة، سيجد نفسه مضطرا للخضوع الى متطلبات الرياض، وهي هنا ستتمثل بحاجات محمد بن سلمان نفسه الذي نجح الى حد كبير في اختصار مراكز القرار في المملكة، بشخصه.
وبهذا المعنى، لن يكون بإمكان الملك حمد بن عيسى ال خليفة، مساحة تتيح له الاختيار، او التعامل بحرية مع المتطلبات السعودية حتى لو تعارضت مع رؤية الحكم في المنامة لحساسية المشهد الداخلي الدقيق.
لقد ربط الحكم البحريني نفسه بالسياسات والمصالح السعودية بدرجة معقدة وتراكمية على مر السنوات الماضية خصوصا منذ اندلاع الحراك الشعبي المطالب بالتغيير في البحرين. فعلى الصعيد الأمني، وهو الملف الأكثر خطورة وحساسية، باتت سلامة الحكم واستقراره، مرتبط باستمرار الدعم العسكري الذي وفرته قوات “درع الجزيرة” في قمع التظاهرات الشعبية والمطالب بالحريات الأساسية. اما على الصعيد الاقتصادي، فقد بات الاقتصاد البحريني يعتمد على المنح والمساعدات المالية التي تدفقت عليها من الحليف السعودي وغيره.
لذلك، فانه من البديهي القول ان يدي الملك البحريني لن تكون حرة في اتخاذ القرارات المصيرية الداخلية، والثقة المفرطة بالنفس التي توحي بها أجهزة الحكم، وهي تتباهى بالبطش بقوى المعارضة على الوانها، كما جاء في بيان منظمة العفو الدولية حول المشهد البحريني قبل ايام، والمزايدة على السعودية نفسها في القطيعة والعداء مع قطر، لا تعني كلها بالضرورة حنكة سياسية في لحظة التحولات الإقليمية المحتملة، والاهم تقلبات بن سلمان نفسه.
محمد بن سلمان يريد ان يصعد، واذا كان المطلوب بعض الميكيافلية السياسية في الداخل والخارج، فانه لن يتردد لحظة في الاقدام عليها، بما في ذلك تخليص العالم من حرج الاضطهاد البحريني القائم منذ سنوات، او على الأقل اظهار انه يسعى لحلحلة الاحتقان البحريني المزمن. فهل ستكون حكومة المنامة عندها جاهزة، للنزول عن السلم المرتفع الذي تسلقته بحماسة مفرطة؟!
ان العاقل، أي عاقل، بامكانه ان يفترض ان التعامل السلطوي مع مطالب شرائح واسعة من البحرينيين، بهذا الشكل (قتل المتظاهرين، حل الجمعيات، سجن قادة الحراك، والناشطين، واغلاق صحف، وغيرها…) لا يشكل قيادة حكيمة او بعد نظر في التعامل مع أزمة خاضعة لمعادلات وعناصر خارجية وإقليمية، وبينها السعودية، هي اكبر من تيار المتشددين الأمنيين في أجهزة القمع البحرينية.