في كل مرة يحصل فيها لقاء أو اتصال أو تقارب أو أي شكل من أشكال التواصل بين مسؤولين عرب وآخرين صهاينة، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، يبادر الإعلام الإسرائيلي إلى كشفه والحديث عنه ووضعه في خانة البناء المتنامي للعلاقة الإسرائيلية - العربية، ولا سيما الخليجية منها.
ولا يشذّ عن هذه القاعدة ما كشفته صحيفة "معاريف" من لقاء جرى بين ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والحاخام اليهودي أبراهام كوبر، رئيس مركز "فيزنتال" في لوس أنجلوس، ورفيقه الحاخام مارفين هاير، خلال احتفال أقيم تحت عنوان "نبذ الكراهية بين الأديان"، وأعلن فيه أن "البحرين تشجب الكراهية والعنف الديني"، مشدداً على "حق مواطني البحرين في زيارة إسرائيل".
على عينك.. يا فاجر
لم يكن هذا اللقاء وليد صدفة بل جاء رداً على زيارة "مثيرة للاهتمام" قام بها الحاخامان إلى المنامة في وقت سابق من هذا العام، وشأنه شأن الكثير من اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين رسميين في البحرين مع نظرائهم الإسرائيليين، وتسارعت وتيرة هذه اللقاءات والاتصالات والمواقف في الفترة الأخيرة بشكل ملفت لتؤكد ما صرّح به رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مطلع شهر أيلول الجاري، بأن "هناك علاقات سرية بين إسرائيل والكثير من الدول العربية والإسلامية"، واصفًا الوضع الحالي بـ"غير المسبوق".
ولا بد من تسجيل أن البحرين كانت السبّاقة منذ العام 1994 إلى المجاهرة بعلاقاتها مع "إسرائيل" في ظل تغطية سعودية واضحة، لا بل لعبت البحرين منذ عقود دور الوسيط والممر المباشر وغير المباشر لترتيب العلاقات السعودية - الإسرائيلية، ويتصدّر هذه المهمة ملك البحرين نفسه ووزير خارجيته المتحفّز إسرائيلياً، وهناك الكثير من المحطات والمواقف التي تؤكد الصلة المباشرة سياسياً واقتصادياً بين البحرين و"إسرائيل"، فضلاً عن تبادل الزيارات بشكل سافر وعلني بين مسؤولي الجانبين وهبوط طائرات "العال" في مطار المنامة و"على عينك يا فاجر".
عداوة إسرائيلية - خليجية لإيران
وليست هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها ملك البحرين رموزاً دينية إسرائيلية وحاخامات يهوداً، فقد سبق أن التقى في آذار / مارس الماضي، رئيس مؤسسة التفاهم العرقي في نيويورك الحاخام مارك شناير في المنامة، وأكد الملك خلال اللقاء وفق ما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" حينها، أن "إسرائيل قادرة على الدفاع ليس عن نفسها فحسب بل عن أصوات الاعتدال والدول العربية المعتدلة في المنطقة"، فيما لفت شناير إلى أن "فتح قنوات دبلوماسية بين بعض الدول العربية وإسرائيل هو مسألة وقت"، مشيراً إلى أن "العداوة المشتركة التي تكنها الدول الخليجية وإسرائيل تجاه حزب الله ورعاته الإيرانيين، يجب أن تُستغل كفرصة لإنشاء تحالف مع هذه البلدان التي كانت معادية في السابق للدولة اليهودية".
وهنا حجر الرحى الذي يدور حول توليفة سياسية - دبلوماسية بدأ العمل بها بشكل حثيث وجدّي بعد مؤتمر الرياض وخطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تقضي بضرورة إقامة معادلة جديدة للعلاقات في المنطقة، وبالطبع ستكون "إسرائيل" مركز الاستقطاب الرئيسي، على أن تنتج هذه المعادلة حلفاً عربياً - إسرائيلياً برعاية أمريكية في مواجهة إيران بشكل أساسي ومن يدور في فلكها من تنظيمات ودول حليفة وصديقة، وهذا ما بحثه ترامب في فلسطين المحتلة التي كانت محطته الثانية مباشرة بعد السعودية.
فلسطين مقابل السعودية
أثبتت التجربة أن أي تسريب إعلامي لأي نشاط أو حدث يتصل بالعلاقة العربية - الإسرائيلية يستند إلى وقائع فعلية، وأبرزها الحديث عن زيارة أمير سعودي (ولي العهد محمد بن سلمان) إلى فلسطين المحتلة مؤخراً ولقائه مسؤولين صهاينة للبحث في تسوية الملف الفلسطيني، بقطع النظر عن التضخيم الإسرائيلي لهذا الحدث وأبعاده ومعطياته، فهذا الأمر من مقتضيات اللعبة السياسية وعملية التوريط المباشر، ولكن الربط بين المعطيات يقود إلى خلاصة أكيدة وهي أن هناك سعياً متسارعاً لتسوية الوضع في المنطقة، ولا سيما أن الحرب في سوريا والعراق تقترب من وضع أوزارها بانتصار "حلف إيران" كما يسمّيه الغربيون، وسقوط الرهانات الأمريكية - الإسرائيلية - الخليجية على انكسار هذا الحلف، وعليه فالعمل الآن منصبّ على إجراء ما يشبه الالتفاف على هذا الانتصار بإنجاز أكبر يتحقق بالسياسة بعد أن فشلت في تحقيقه لغة الحرب.
الأكيد أن "إسرائيل" لا تعتبر تطبيع العلاقات مع البحرين إنجازاً فالعين الإسرائيلية مركّزة على السعودية، ولكن هذا الأمر يستلزم قضية ضخمة بحجم الهدف، وبالتالي فلا بد من ترتيب عنوان كبير يمهّد لفتح الطريق بين تل أبيب والرياض، وفي هذا المجال تلفت مصادر دبلوماسية إلى ما تم تداوله مؤخراً من مباحثات تحت الطاولة تهدف إلى إجراء ما يشبه المقايضة، بحيث توافق "إسرائيل" على صيغة حل نهائي للقضية الفلسطينية مقابل تطبيع علاقات شاملة وممنهجة بين "إسرائيل" والدول العربية ولا سيما الخليجية منها، وعلى رأسها السعودية، وتشير المصادر إلى دور أساسي تلعبه مصر في هذا المجال، وهي العضو المركزي في الحلف الرباعي الناشئ حديثاً في مواجهة قطر، وتلفت المصادر نفسها هنا إلى الدور المصري في الضغط باتجاه ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ولا سيما بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية لمواكبة الترتيبات المستجدة.