الهدف الإسرائيلي الأوّل والأخير، هو إلحاق الهزيمة بـ«حزب الله» إلى حدِّ القضاء عليه باعتباره يشكّل الخطر الدائم عليها، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف شنّت سلسلةَ حروب كانت أقساها حرب تمّوز 2006، وأخفَقت في تحقيقه. ومنذ ذلك الوقت عكفَت على إجراء سلسلة من المناورات العسكرية، وآخرُها المناورة الضخمة التي نفّذتها قبل أسابيع وحاكت فيها هجوماً من الحزب على المستوطنات الإسرائيلية.
على أنّ هذه المناورات المتتالية التي قامت على نتيجة افتراضية؛ هزيمة «حزب الله» وسحقه، لم تحقّق الغاية التي أقيمت لأجلها، وأحيطت بتشكيك من قبَل الخبراء العسكريين الإسرائيليين، وخصوصاً ما يتعلّق بالمناورة الأخيرة والإخفاق الذي انتهت إليه، على حدّ ما عكسَته الصحافة الإسرائيلية التي كشَفت مضمون تقرير أعدّته لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست ويَكشف عمّا وصَفه «ثغرات كبرى في استعدادات الجيش الإسرائيلي وجاهزيته».
وقد أشار تقرير ديبلوماسي دولي تلقّته مراجع لبنانية رسمية رفيعة المستوى قبل فترة وجيزة، إلى نقاش حادّ يَجري بين المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية، ويتخلّله تقاذُف للمسؤولية عن الإخفاقات التي تحصل. في وقتٍ تتنامى فيه قدرات «حزب الله» ويتراكم مخزونه الصاروخي ويكتسب خبرات عالية في ميادين ومناخات قتالية مختلفة؛ كلاسيكية وغير كلاسيكية.
على أنّ أهمّ ما في هذا التقرير إشارته الى أنّه إذا كان «حزب الله» يشكّل الهاجسَ اليومي للاسرائيليين، والتفكير في ابتداع الوسيلة التي تمكّنهم من القضاء عليه، فإنّ قلقاً كبيراً ينتاب الطاقم السياسي والعسكري الاسرائيلي من «قنبلة الكيميائية» المزروعة في حيفا، (حاويات معالجة وتخزين آلاف الأطنان من الأمونيا)، وبدا هذا القلق يتنامى منذ أن هدّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله في شباط 2016 بضربها.
ويُبرز التقرير ما أبلغه البروفسور ايهود كينان من كلّية الكيمياء في معهد تخنيون في حيفا لصحيفة هآرتس، حيث قال: «إنّ استهداف «حزب الله» لسفينة تحمل الأمونيا على ساحل المدينة من شأنه أن يتسبّب بكارثة ومقتل عشرات الآلاف وإصابة مئات الآلاف نتيجة تفاعل الأمونيا السائلة».
ومن هنا صار الإسرائيليون ينظرون الى هذه المنشأة الكيميائية على أنّها تشكّل خطراً كبيراً جداً عليهم، خصوصاً وأنّ منطقة حيفا التي تقع فيها يوجد فيها نحو نصف مليون شخص. وبالتالي صار الهاجس الاسرائيلي الاساس هو نقلُ هذه المنشأة من حيفا الى مكان آخر. علماً أنّ محكمة العدل العليا الاسرائيلية أمرَت بوجوب تفريغها.
ويشير التقرير الى أنّ الحكومة الإسرائيلية قد قرّرت قبل فترة إغلاقَ المنشأة وحاولت نقلَ حاويات الأمونيا من حيفا إلى منطقة أقلّ كثافةً سكانية في منطقة النقب، إلّا أنّ المزاج الاسرائيلي العام لم يعد يتقبّلها، فضلاً عن أنّها أثارت مخاوفَ سكّان تلك المنطقة، الأمر الذي دفعَ العقل الاسرائيلي الى التفكير عن مخرج آخر، فوجَد أنّ الحلّ الأسلم هو نقلُ الأمونيا الى إحدى الدول المجاورة لإسرائيل.
ومن هنا يكشف التقرير الديبلوماسي الدولي، أنّ إسرائيل تأخذ تهديدات السيّد حسن نصرالله بجدّية، وتخوّفاً من تنفيذه لتهديداته وضربِ خزانات «الأمونيا» في أيّ حرب مقبلة بين إسرائيل ولبنان، وفي سبيل تجنيبِ نفسِها خطرَ الأمونيا، تقدّمت أكثرَ من مرّة بطلبٍ رسمي إلى الاردن لتحويل ميناء العقبة على البحر الأحمر إلى محطة استقبال وتخزين غاز الأمونيا الاسرائيلي، باعتباره الحلَّ الوحيد المتاح للحكومة الإسرائيلية بعد أن رَفضت جميع بلديات المدن الإسرائيلية الساحلية استقبالَ المادة الخطيرة خوفاً من صواريخ «حزب الله».
وبحسب التقرير، فإنّ دوائر القرار السياسي والأمني في الأردن انشغلت بمناقشسة هذا الطلب، حيث جرى تشكيل لجنة رسمية ضمّت كلّاً من وزير البيئة ووزير الطاقة ووزير النقل ورئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية، وذلك بهدف دراسة الجدوى من تحويل الميناء الاردني الوحيد الى مستودع لغاز الأمونيا الإسرائيلي.
وخلصت اللجنة في تقرير أعدّته بعد الاستعانة بخبراء أجانب ومحليين إلى وضعِ مجموعة خياراته لاستقبال وتخزين الأمونيا. وحدّدت ثلاثة خيارات للنقل عبر صهاريج أو عبر أنبوب بحري أو أنبوب برّي، وجميع هذه الخيارات، بحسب التقرير محفوفة بمخاطر عالية على السلامة العامة وعلى البيئة وقد تُعرّض المنطقة لاستهداف أمني. ونبّهت اللجنة المذكورة الى أنّ أيّ تسريب إعلامي لهذه المعلومات الخطيرة قد يؤدّي إلى مزيد من الضغوط الشعبية والنيابية على الحكومة الأردنية.
وجاء في التقرير الفنّي للّجنة أنّ المسارين المفترضَين لسير صهاريج نقل الأمونيا من العقبة إلى الجانب الإسرائيلي، هما من المجمع الصناعي مروراً بالمواقع السياحية والموانئ والمناطق السكنية والتجارية (20 كيلومتراً)، أو عبر الطريق الخلفي الواصل إلى تقاطع وادي التيم ذي الطبيعة الجغرافية الصعبة (50 كيلومتراً) وكِلا المسارين يتطلّبان مواكبةً أمنية دائمة حيث إنّ حاجة الجانب الإسرائيلي هي 120 ألف طن من الأمونيا سنوياً، ما يَستدعي تسييرَ 100 صهريج يومياً في حال استخدام صهاريج ذات حمولة 4 طن. وهذا يَرفع من احتمال حصول حوادث، فضلاً عن أنّ عملية النقل ستكون مكشوفة، ما يرفع من احتمالات الاستهداف الأمني.
أمّا عن خيار نقلِ الأمونيا من العقبة إلى الشواطئ الإسرائيلية عبر أنبوب بحري، فاستنتج تقرير اللجنة الوزارية الأردنية أنّ في هذا الخيار خطورةً على الحياة البحرية، وهو يتناقض مع الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تهدف لحماية بيئة البحر الأحمر. ويبقى خيار النقل عبر أنبوب بري من منطقة العقبة الصناعية الجنوبية إلى الجانب الإسرائيلي، الذي وجدته اللجنة أكثرَ خطورةً من البحري، لأنّ الأنبوب سيمرّ بالقرب من المناطق السكنية والتجارية والسياحية، وكذلك احتمال تداخلِه على البنية التحتية، ومع هذا الخيار تكون مخاطر الاستهداف الأمني كبيرة.
وركّزَت اللجنة في تقييمها الفنّي على مخاطر تخزين الآمونيا في المجمع الصناعي في العقبة حيث يتمّ استيراد المادة اللامائية بواسطة السفن التي يتمّ ضخّ الأمونيا منها عبر أنبوب طوله 1,6 كيلومتر إلى خزّانات المجمع الصناعي، ويمرّ الأنبوب في الشارع الرئيسي في المنطقة عبر جسر يصل بين طرفي الشارع وفي حال حصول أيّ حادث على الطريق فإنّ مادة الأمونيا قد تنبعث على شكل أبخرةٍ سامّة جداً، ممّا يُشكّل خطراً على التجمّعات السكّانية، كما أنّ تخزين سائل الأمونيا على درجة حرارة (33- درجة مئوية) في خزانات المجمع الصناعي في العقبة القديمة والمصاب بعضُها بالاهتراء يَجعل احتمالَ حدوث انسكابات أمراً خطيرا جداً.
ويشرَح التقرير تأثيرَ غاز الأمونيا في حال تسرّبِه في الهواء، فهو في الأساس غاز شديد السمّية ويشتعل إذا ما احتكّ بالهواء، وهو يتسبّب بالتهيُّجات في المجرى التنفّسي والعيون ويمكن أن يؤدّي إلى العمى وتعطيل عملِ الرئتين والتسبّب بالموت في حالِ التركيز العالي للغاز في الهواء.
اللافت للانتباه في هذا السياق أنّ بعض المراجع السياسية اللبنانية، وبعد أن استَشعرت الخطرَ الشديد من هذه الخطوة الإسرائيلية، حاولت الاستفسارَ من بعض المواكبين للشأن الإسرائيلي، فجاءَها الجواب من جهات فلسطينية قريبة من السلطة الفلسطينية، كشَفت أنّ السلطة الفلسطينية تلقّت عرضاً إسرائيلياً بالمساعدة في هذا المجال وإقناع السلطات الأردنية بالموافقة على نقل الأمونيا من ميناء حيفا إلى الأردن، وأنّ العرض الإسرائيلي انطوى على تقديم مغريات من ضمن صفقةٍ سياسية – اقتصادية، تعود بالربح الوفير لكلّ من السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية.
وكشَفت تلك الجهات الفلسطينية أنّ اجتماعات فنّية حصلت في أكثر من عاصمة عربية وغربية لمناقشة الموضوع، شارَك فيها أخصائيون عرب وأجانب وإسرائيليون.