إعتبر أستاذ محاضر بالعلاقات الدولية في إحدى جامعات كاليفورنيا، أن كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي الأكثر هزالة قياساً لكلمات بعض رؤساء الدول، خاصة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأضاف: الرئيس ترامب تلزمه مطرقة في يده وينجح بإدارة مزادات علنية لبيع اللوحات والتماثيل”.
كان أجدى للرئيس الأميركي عندما أعلن أنه اتَّخذ قراراً بشأن الإتفاق النووي مع إيران، أن يُعلِن عن ماهية هذا القرار، أو أن يتجنَّب الحديث عنه أمام زعماء دول العالم، وإذا كان يعتبره أسوأ صفقة للولايات المتحدة، وأنه ورطة لبلاده لعدم إمكانيتها الالتزام باتفاق يوفِّر في نهاية المطاف غطاءً لبناء برنامج نووي في إيران، فهو اعترف أمام العالم، أن الرئاسة الأميركية ليست مؤسسة لها ثوابتها بالمفهوم العام للدولة، طالما أنها توقِّع إتفاقاً بوجود باراك أوباما وتتنكَّر له عبر دونالد ترامب، ولعل هذا أكبر دليل على أن الولايات المتحدة التي تتَّهم بعض الدول بالمارقة، هي طليعة هذه الدول على الإطلاق.
والمشكلة لا تكمُن فقط في الرئيس ترامب، بل في حلقته الإستشارية، وفي حكومته، ولدى مجلسيّ النواب والشيوخ، وأيضاً وبشكلِ خاص، لدى الدوائر القانونية والقضائية الأميركية، التي لا تتحرَّك لِلَجم مزاجية رئيس يتناول الإتفاق النووي وكأنه ثنائي بين إيران وأميركا، وأن من حقِّه التنصُّل منه أو تعديله ببساطة، وتجاهُل أن هذا الإتفاق تمّ برعاية الأمم المتحدة مع دول “الخمسة زائد واحد”، ولا تستطيع أية دولة أخذ مواقف فردية منه بمعزلٍ عن الآخرين، بمَن فيهم إيران، التي لن تسمح بأقلّ من تطبيق كامل وفاعل لهذا الإتفاق تحت طائلة التحرُّر منه وفق الأصول وإعادة تشغيل المُفاعلات واستئناف الإنتاج.
كلمة الرئيس ترامب التي أرادها نارية، وضعته ضمن مثلَّثٍ عليه أن يختار زاوية منه: الزاوية الإيرانية وفق الطروحات الهادئة والمسؤولة التي وردت في كلمة الرئيس حسن روحاني، أو الردّ الأوروبي الواعي الذي وَرَد في تصريح مفوضة الإتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، التي أعلنت أنه “تمَ الحفاظ على الإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، خلال اللقاء الوزاري للسداسية وإيران في نيويورك، وسَرَيان مفعول الإتفاق الذي توصلت إليه طهران والسداسية الدولية، لا يزال مستمراً، وهو يهدف إلى عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأن الإتفاق يأتي بثماره، ولا حاجة لإعادة النظر فيه واتفقنا على أن جميع الأطراف تنفِّذ التزاماتها بالكامل “.
ومن الزاويتين الإيرانية والأوروبية ننتقل الى الزاوية الكورية الشمالية، وتهديد ترامب بتدميرها، والردّ العنيف من أعضاء القيادة الكورية بأن “القافلة تسير…” والردّ الأعنف الذي جاء من زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، الذي أكَّد أن بلاده تدرس اللجوء إلى أشدّ الإجراءات ضد الولايات المتحدة، ووَصَف ترامب بأنه مختلّ عقلياً، وأن الخطاب الذي ألقاه بمثابة أقوى إعلان للحرب في التاريخ، وبرنامج بيونغ يانغ النووي هو الخيار الصحيح.
وإذا كان الرئيس ترامب يهدِّد بتدمير كوريا الشمالية، وأقصى ما يستطيعه هو فرض حظر تجاري أو مصرفي عليها، فهو يستدرج العالم بمروحة خياراته الى التهوُّر والتهوُّر المُضاد، وهذا ما لن ترضى عنه الدول الست الكبرى، وإذا كانت كلٌ من بريطانيا وفرنسا محسوبتين على المعسكر الأميركي في الإتفاق النووي مع إيران، فإن بريطانيا التي تُعاني من تداعيات انسحابها من الإتحاد الأوروبي مُلزمة ربما بمُجاراة ترامب، لكن فرنسا مُستاءة و”مجروحة” من سياسات ترامب وتقلُّباته بشأن الإنسحاب من “إتفاقية المناخ”، ثم العودة إليها، ثم طلب تعديلها، وألمانيا أيضاً التي دعمت وصول الرئيس ماكرون الى الإليزيه هي ضمن التوجُّه الفرنسي، والمستشارة ميركل هي من أوائل الحذِرِين من شخصية ترامب، وبالتالي، هناك تقارب في معالجة الملفات بهدوء بين ألمانيا وفرنسا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، خاصة أن الصين ستكون وسط ساحة النار إذا ما استمر التصعيد الكوري – الأميركي.
وإذا كان الرئيس الأميركي رهينة اللوبي الصهيوني في موضوع الملف النووي، واستجاب سابقاً ولاحقاً لاستغاثة بنيامين نتانياهو، الذي قصد الأمم المتحدة وفي جعبته الدولية ملفَّان لا ثالث لهما: الخوف من إيران، والخوف من إيران، فإن إيران المرتاحة الى وضعها الداخلي والإقليمي والدولي، هي أكثر الأفرقاء ارتياحاً في الملف النووي، ليس فقط لأنها حسمت أمرها منذ كان ترامب مرشحاً للرئاسة، أنها جاهزة خلال ساعات لتشغيل مفاعلات الإنتاج، بل لأن لعبة العدوان والإرهاب تُشارف على نهايتها، وأن محور مقاومتهما قد انتصر، وابتسامة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف نابعة من ثقة القوي صاحب الحقّ، ضمن أدبيات الديبلوماسية الإيرانية الراقية، التي تختلف قولاً وفعلاً عن اللغة الكورية، وعن استعراضات الكاوبوي الأميركي…