يتواصل استنفار المقاومة الفلسطينية في غزة، الذي تكرر العام الجاري في مفترقات ومراحل حساسة، لا تبدو المصالحة الداخلية الجارية بعيدة عنها، خاصة أن لا أحد من الوسطاء أو الكفلاء يضمن كبح أي «مبادرة» أو استباق إسرائيلي للأحداث
غزة | بينما تسير خطوات المصالحة المتفق عليها بين حركتي «حماس» و«فتح»، منتظرة الأسبوع المقبل ليذوب عنها ثلوج الشكوك، يعدّ وفد من الأولى لزيارة القاهرة نهاية الأسبوع الجاري (يوم الخميس وفق الدعوة المصرية)، وذلك لمتابعة تطبيق التفاهمات الأخيرة، في وقت يواصل فيه الجناح العسكري للحركة، «كتائب القسام»، رفع درجة التأهب لديه على مستوى وحدات متعددة، وذلك تخوفاً من تكرار لسيناريو 2014، عندما وًقِّع «اتفاق الشاطئ» للمصالحة الداخلية وبدأت حرب إسرائيلية غيّرت نتائجها معالم العلاقة بين غزة ورام الله.
ووفق مصادر مقربة من «القسام»، فإن التخوف مبني على عاملين: الأول أن المصريين، أو السلطة، لم يصرّوا على الحديث في ملف سلاح المقاومة بصفته «ملفاً مغلقاً» في النقاشات الماضية، لكن الوضع الذي عليه المقاومة الآن مختلف تماماً عمّا قبل عام 2006، وهو ما يعني أن الملف قد يُعاد طرحه في وقت لاحق. وهنا ما يثير القلق أن إبقاء ملف السلاح جانباً لا يعني بحال أن «المجتمع الدولي» أو العدو الإسرائيلي قبل وجود سلاح المقاومة وانسحاب «حماس» خارج المشهد السياسي ودمج موظفيها في السلطة، علماً بأن الاتحاد الأوروبي والأميركيين هم من يدفعون هذه الرواتب. لذلك، تخشى تلك الأوساط أن يستغل الإسرائيلي المصالحة وحالة تسليم الحكم والفراغ الإداري المؤقت وأيضاً تسليم المعابر... ليشنّ ضربة توقع أطراف المصالحة في مأزق.
ومع أن «حماس» أبلغت السلطة أخيراً بأن «قرار السلم والحرب» سيكون قراراً مشتركاً، فإن وقوع ضربة إسرائيلية سيجبر الفصائل على الردّ، وتحديداً كان امتداد الحرب في 2014 إلى 51 يوماً أحد الإشكالات التي اعترضت عليها السلطة، قائلة إنه كان يمكن وفق المفاوضات في القاهرة إنهاؤها في عشرة أيام.
أما العامل الثاني، فهو صدور مؤشرات على مواصلة الاحتلال العمل على إنهاء ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى في القطاع في محاولة لاستدراك نتائج أي مفاوضات في هذا الشأن، خاصة أن القاهرة تشرف على ملف المصالحة بجانب ملف الصفقة. وثمة تقدير لدى المقاومة بإمكانية «تنفيذ العدو عمليات مثل اختطاف قيادات عسكرية لها علاقة بملف الجنود أو تنفيذ عمليات خاصة تصل إلى قتل الجنود في حال توافر معلومات عن أماكنهم»، مع محاولة تجنب الاندفاع إلى حرب واسعة في هذه الحالة.
يشار إلى أن حربي 2008 و2012 بدأت بصورة مشابهة أيضاً، إذ كان في ذلك الوقت تُقدم طمأنة إلى المقاومة بوجود حالة من الهدوء، أو حتى العمل على صياغة تهدئة، فيما تكون إسرائيل قد قررت شن عملية عسكرية واسعة من جانبها. كذلك فإن المقاومة طوال السنوات الثلاث الماضية، وتحديداً في الأشهر الأخيرة التي تلت اغتيال القيادي في «حماس» مازن فقها، استطاعت إلقاء القبض على مجموعة من العملاء، ومنهم من كان لهم علاقة بملفات حساسة، تبين من مجمل التحقيقات معهم أن العدو يسعى إلى معرفة مفاصل القوة الأساسية للفصائل وتكوين بنك أهداف واسع لاستعماله في أقرب مواجهة مقبلة.
على صعيد آخر، تنقل تلك المصادر أن «قطار المصالحة» يسير بخطى متسارعة، فيما تعقد اجتماعات داخلية في كل من «فتح» و«حماس»، وبين الحركتين أيضاً، لبحث الخطوات العملية، خاصة مع قرب تسلّم حكومة التوافق مهماتها في غزة، وذلك في ظل «قرار استراتيجي لدى حماس بالتخلي عن الحكومة والتفرغ لمراكمة القوة وخلق معادلة ردعية مع الاحتلال كتلك التي في لبنان».
ضمن هذا القرار، اجتمع قائد «حماس» في غزة، يحيى السنوار، بوكلاء الوزارات في القطاع الذين ينتمون إلى الحركة، وحثهم على «التعاون مع رام الله لتسليمها مهمات العمل في غزة». وطمأن السنوار إلى أن موضوع الموظفين التابعين للحكومة السابقة في غزة «جرى التوافق عليه مع السلطات المصرية»، وتلقت الحركة وعداً بأن رام الله لن تقدم على فصلهم أو تسريح أحد منهم أو إحلال موظفي السلطة مكانهم. وبجانب تشكيل «لجان مشتركة» بين حكومة التوافق والمصريين و«حماس» لحل مشكلة الموظفين، تقرر أن يسافر وفد من الأخيرة إلى القاهرة حاملاً معه أسماء الموظفين وتصورات يمكن التوافق عليها مع رام الله لمعالجة قضيتهم، خاصة أن المصالحة بالنسبة إلى الحركة تعتمد على حل هذه المسألة بسلام.
من جانب ثانٍ، تتواصل جهات رسمية تابعة للسلطة مع «حماس» لبحث تأمين زيارة الوفد الكبير والموسع لحكومة التوافق، وذلك بعدما أعلن رئيس الحكومة، رامي الحمدالله، أنه سيصل غزة الاثنين المقبل. وأمس، قال الحمدالله إن حكومته معنية بتسلم فعلي شامل لكل الصلاحيات. ووفق مواقع محلية، قالت مصادر فلسطينية إن محمود عباس شكل «خلية أزمة برئاسته تضم خمسة من أهم المسؤولين في السلطة وحركة فتح للإشراف على تنفيذ المصالحة، هم الحمدالله، والوزير حسين الشيخ، وعضوا اللجنة المركزية لفتح روحي فتوح، وعزام الأحمد، ومدير المخابرات ماجد فرج».