مواقف أميركية متناقضة من الأزمة مع بيونغ يانغ

أعلن جايمس ماتيس أن واشنطن لا تسعى إلى الحرب مع كوريا الشمالية، وهو الموقف الذي يبدو متناقضاً مع ما صدر عن كل من اتش آر ماكماستر الذي أكد أنّ الحل العسكري لا يزال مطروحاً، وجوزيف دانفور الذي رأى أن بيونغ يانغ تشكّل، اليوم، أخطر تهديد لواشنطن

تُصدر الولايات المتحدة مواقف متناقضة ربطاً بالأزمة مع كوريا الشمالية، ما يدل على ضياع الإدارة الأميركية في مقاربة هذا الملف، وهو الأمر الذي تظهره التصريحات الصادرة عن مختلف المسؤولين الأميركيين. وفي الوقت الذي تحتار فيه واشنطن بين الحل الدبلوماسي الذي يروّج له وزير الدفاع جايمس ماتيس، والحل العسكري الذي يشير إليه مستشار الأمن القومي اتش آر ماكماستر، تسعى موسكو إلى العمل مع بيونغ يانغ بهدف تخفيف التوتر.

وما يزيد من إبهام الموقف الأميركي ما صدر عن
رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الجنرال جوزيف دانفورد، الذي أعرب عن قناعته بأن كوريا الشمالية تشكل اليوم أخطر تهديد بالنسبة للولايات المتحدة.
وأثناء جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ الأميركي، شدد دانفورد على ضرورة أن «تنطلق واشنطن من أن بيونغ يانغ قادرة على استهداف الأراضي القارية للولايات المتحدة وترغب في فعل ذلك». وقال إن «كوريا الشمالية ستحصل قريباً على صاروخ باليستي عابر للقارات وحامل للرأس النووي»، مضيفاً: «لا يمكنني تأكيد ما إذا كان ذلك سيحدث بعد ثلاثة أو ستة أشهر أو بعد 18 شهراً، غير أن ذلك مسألة وقت، لا أكثر».

تصريح دانفورد جاء في وقت أعلن فيه جايمس ماتيس أن بلاده ترغب في حلّ الأزمة مع كوريا الشمالية بالسبل الدبلوماسية، وذلك بعدما كان منسوب التوتر قد ارتفع مجدداً، إثر اتهام بيونغ يانغ للولايات المتحدة بـ«إعلان الحرب» عليها وتهديدها بإسقاط القاذفات الأميركية، وسط تصعيد كلامي بين الرئيس دونالد ترامب والمسؤولين في كوريا الشمالية. لكن البيت الأبيض نفى عزمه على إشعال فتيل الحرب، حيث أكد ماتيس أن هدف واشنطن هو حل الأزمة «دبلوماسياً». وقال في مؤتمر صحافي في نيودلهي، بعد عقده محادثات مع نظيرته الهندية نيرمالا سيتارمان: «نحتفظ بالقدرة على التصدي لأخطر التهديدات الصادرة عن كوريا الشمالية، ولكن كذلك على دعم دبلوماسيينا بحيث نبقي المسألة قدر المستطاع في المجال الدبلوماسي».
إلا أن كلام ماتيس يتنافى، بشكل أو بآخر، مع ما كشفه مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي هيربرت ماكماستر، من شروط تعجيزية تسبق انخراط الولايات المتحدة في مفاوضات مع كوريا الشمالية. وفي كلمة ألقاها في معهد دراسة الحرب في واشنطن، أعلن ماكماستر أن «السلطات في كوريا الشمالية يجب عليها أن تسمح بتفتيش مواقعها النووية، والتأكيد على استعدادها للتخلي عن السلاح النووي قبل بدء واشنطن مفاوضات معها». وقال إن إدارة ترامب نظرت في أربعة أو خمسة سيناريوات للتعامل مع أزمة كوريا الشمالية، معترفاً بأن «بعضها أقبح من البعض الآخر». وأكد أن الخيار العسكري لا يزال قائماً، معرباً عن أمله بألا تصل الأمور إلى نشوب حرب.
وفي وقت بلغ فيه التوتر أوجه، صدرت دعوات عدة للتهدئة من الأمم المتحدة وروسيا والصين. وضمّت كوريا الجنوبية، التي تقع عاصمتها سيول على بعد 56 كلم فقط من المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم شبه الجزيرة، صوتها إلى الأصوات التي تطالب واشنطن بتخفيف التوتر. وقال وزير خارجيتها كانغ كيونغ ــ وا، في واشنطن، إن من الضروري إدارة الوضع «بطريقة تحول دون مزيد من تصعيد التوترات، أو وقوع مواجهات عسكرية عرضية قد تتفاقم سريعاً».
كذلك، حذّر الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ــ ان من أن الوضع الأمني في شبه الجزيرة بات «أكثر خطورة من أي وقت مضى»، بحسب ما نقلت عنه وكالة «يونهاب» الرسمية. وقال مون: «سنجعل كوريا الشمالية تدرك أن لا مستقبل لها إذا ما حاولت مواجهة باقي العالم بالأسلحة النووية».
يأتي ذلك فيما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن دبلوماسي روسي بارز قوله إن نشوب صراع على شبه الجزيرة الكورية ستكون له «عواقب كارثية»، مضيفاً أنّ وزارة الخارجية الروسية تعمل «وراء الكواليس» على إيجاد حلّ سياسي لأزمة كوريا الشمالية. وأكد رئيس إدارة منع الانتشار والحدّ من التسلح في وزارة الخارجية الروسية ميخائيل أوليانوف، أن الأسلوب الأميركي في التعامل مع كوريا الشمالية يؤدي إلى طريق مسدود، وفرض العقوبات عليها استنفد أغراضه.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن تشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية لن يحل المشكلة، داعياً إلى إيجاد حلول مقبولة لبيونغ يانغ تضمن أمنها.
وتساءل أوليانوف: «لماذا تفعل بيونغ يانغ كل ذلك؟»، مجيباً: «كما أفهم، سبب ذلك بسيط: إنها تخشى على أمنها. إنهم رأوا ماذا حدث مع القذافي ويسمعون تصريحات تدعو إلى إفشال الصفقة الإيرانية النووية، وفي نهاية المطاف، تلك المناورات الكبيرة التي تجرى قرب سواحل كوريا الشمالية، لاستفزاز زعيمها لكي يقدم على خطوات غير معقولة». وأضاف: «على ما يبدو، أدرك الكوريون الشماليون أن أفضل وسيلة لضمان أمنهم تتمثل في امتلاك سلاح نووي».
وفي السياق، أعلن مصدر في وزارة الخارجية الروسية أن روسيا وكوريا الشمالية ستطلقان يوم 29 أيلول في موسكو، مشاورات على مستوى الدبلوماسيين من أجل تخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية. وقال المصدر، في حديث إلى وكالة «إنتر فاكس»، إن المشاورات «ستبدأ بمشاركة سفير روسيا للمهمات الخاصة أوليغ بورميستروف».
ويأتي هذا التصريح بعدما أفاد مصدر في سفارة كوريا الشمالية لدى روسيا، في حديث إلى الوكالة ذاتها، بأن وفداً دبلوماسياً من وزارة خارجية كوريا الشمالية، برئاسة رئيس قسم أميركا الشمالية في الوزارة، تشفي سون هي، وصل إلى موسكو أمس بدعوة من بورميستروف.
من جهته، شدد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن الأعمال التي تؤدي إلى تفاقم التوتر في شبه الجزيرة الكورية غير مرغوب فيها، وهي تنطوي على عواقب خطيرة للغاية.
وفي الصين، رأى وزير الخارجية وانغ يي أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية وصل إلى مرحلة خطيرة للغاية. وفي تصريح أمام نظرائه من مجموعة دول «بريكس»، على هامش اجتماع في الأمم المتحدة في نيويورك، أشار وانغ إلى أن المهمة العاجلة حالياً هي منع تطور البرامج النووية والصاروخية في كوريا الشمالية، وتجنّب تفاقم التوترات، ولا سيما منع اللجوء إلى السلاح.

المصدر: الأخبار