بينما تمهّد الولايات المتحدة وإسرائيل وشركاؤهما من العرب لفرض تسوية جديدة، فتح أبٌ فلسطيني نيران مسدسه فقتل ثلاثة جنود إسرائيليين بالقرب من القدس المحتلة قبل إعلان استشهاده. أثبتت العملية أنه رغم انخفاض وتيرة العمليات، فإن «انتفاضة القدس» لم تخمد بعد
عند المدخل الشمالي لمستوطنة «هار أدار»، بالقرب من مدينة القدس المحتلة، نفّذ الشهيد نمر الجمل (37 عاماً)، عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، هما حارسان للمستوطنة، وجندي في «حرس الحدود»، فيما أصيب رابع بجروح خطرة، قبل إعلان إطلاق الرصاص على المنفذ واستشهاده.
الجمل، وهو أب لأربعة أبناء، ويعيش في بلدة بيت سوريك بالقرب من القدس، تمكّن من الوصول إلى «هار أدار» وبحوزته مُسدس «سرق من جندي إسرائيلي عام 2003»، وفق مصادر أمنية تحدثت إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت». وقد استطاع الوصول إلى المستوطنة لامتلاكه تصريح عمل داخل مستوطنات الضفة المحتلة.
وقالت المصادر العبرية إنه «لا يوجد للجمل أي ماضٍ أمني». وبذلك، تكون العملية قد وجّهت ضربة جديدة إلى أجهزة العدو الأمنية والاستخبارية التي ادعت أن «الجمل على خلاف مع زوجته التي هربت قبل أسابيع إلى الأردن لتتركه مع أبنائه الأربع»، وهو ما تبيّن أنه كذب، إذ نشرت زوجة الشهيد وصيته التي كان قد أرسلها إليها قبل تنفيذ العملية.
وفق «يديعوت»، «على مدى انتفاضة الأفراد فقط قلّة ممن حصلوا على تصاريح عمل قانونية استغلوها لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين»، موضحة أن أحد هؤلاء كان الشهيد علاء أبو جمل الذي كان يعمل تقنياً في شركة «بيزك» للهواتف الأرضية، ودخل بصفته تلك إلى حيّ «غؤولاه» في القدس، منفذاً عملية دهس أدت إلى مقتل إسرائيلي وجرح آخر. أمّا الثاني، فكان رائد المسالمة، الذي عمل في مطعم في تل أبيب، وهناك قتل إسرائيليين اثنين بعملية طعن.
وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، استغل العملية للدعوة إلى «إعادة النظر في نظام تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين»، إذ رأى أنه «لا يمكن معرفة من أين تأتي العملية المقبلة في العصر الذي يوجد فيه إرهاب على أساس أيديولوجي وتحريض على شبكات التواصل الاجتماعي». وأوضح أن «إطلاق النار على الجمل منع عملية أصعب بكثير».
كذلك، رأى المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، روني ألشيخ، أن «رد الفعل السريع من جانب جنديين بإطلاقهما النار باتجاه الجمل منع دخول الأخير إلى المستوطنة». وأوضح أنّ «من الصعب تقييم (بروفايل) الجمل، الذي قد يكون مثل أي شخص قرر أنه سئم من الوضع الراهن، ولذلك لا بد أن يفرّغ غضبه عبر عملية».
أمّا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فرأى أن العملية «نمط جديد يجب الاستعداد له»، وأكد في اجتماع لحكومته صباح أمس، أن «منزل منفذ العملية سيُهدم وستسحب تصاريح العمل من أقربائه»، فيما دهمت قوات الاحتلال البيت واعتقلت اثنين من أشقائه. وهاجم نتنياهو، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قائلاً إن «هذه العملية الإرهابية القاتلة تأتي أيضاً نتيجة التحريض المنهجي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية وجهات فلسطينية أخرى، وأتوقع من أبو مازن أن يدينها وألا يحاول أن يبررها».
أيضاً، هاجم وزير المواصلات يسرائيل كاتس، عباس، زاعماً أنه «يحرض في الأمم المتحدة ضد إسرائيل». وأوضح كاتس أن العملية هي رسالة إلى مبعوث الرئيس الأميركي إلى المنطقة، جيسون غرينبلات، «الذي يصل اليوم (أمس) إلى تل أبيب، ومفادها أن أمن إسرائيل كان ولا يزال الاعتبار الأول في سياسة الحكومة، وهو فوق أي اعتبار آخر يهدف إلى تحسين أو تسهيل حياة الفلسطينيين». وتعقيباً على امتلاك الجمل تصريح عمل، رأى الوزير أن ذلك ستكون له «عواقب وخيمة ستنعكس على إمكانية تشغيل الفلسطينيين وتسهيل شروط عملهم داخل مستوطنات الضفة أو الخط الأخضر».
من جهة أخرى، طالب زعيم حزب «المعسكر الصهيوني» المعارض آفي غاباي، «رفض معاقبة العمال الفلسطينيين في إسرائيل بعد الهجوم». وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «لا يمكن إسرائيل أن ترسم سياستها طبقاً لتصرفات إرهابي واحد، هي فقط الحالة الثانية منذ سنوات التي ينفذ فيها عامل حاصل على تصريح في إسرائيل هجوماً». لكن وزير الزراعة وعضو حزب «البيت اليهودي» أوري أرئيل، ردّ بأنه دعا «فضلاً عن العمليات العسكرية، إلى التحرك وتوسيع المستوطنات» في الضفة المحتلة.
على الصعيد الفلسطيني، جاءت الردود في غالبيتها مثمنة العملية، فيما حملت حركة «فتح» الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن جرائمها والنتائج المترتبة عن ذلك، في إشارة إلى عملية أمس. وقال متحدث باسم الحركة، إن «إسرائيل وحدها تتحمل ردود الفعل الفلسطينية على جرائم الاحتلال كاملة، وعليها إذا ما استمرت في عدوانها ألا تتوقع إلا المزيد من العنف».
أما المتحدث باسم «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، أبو عبيدة، فقال إن «عملية القدس انتصار للدم الفلسطيني ونموذج لخيار شعبنا». ورأى أيضاً أنها «نموذج لخيار شعبنا في تدفيع العدو للثمن جزاء تغوله وإجرامه المتواصل بحق شعبنا ومقدساتنا».
في الوقت نفسه، قالت حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، إن عملية القدس «أضافت وقوداً جديداً على انتفاضة القدس، التي يجب أن تستمر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، مشيرة إلى أنها «شكلت لطمة كبيرة للمطبعين العرب المهرولين إلى العدو الإسرائيلي، وأوصلت رسالة واضحة لهم، أن شعبنا لن يتخلى عن أي جزء من فلسطين». كذلك، قالت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، إن «العمليات التي تستهدف المستعمرات الصهيونية هي الطريق لكنس الاستيطان وضرب المشروع الاستعماري الاستيطاني في الضفة المحتلة على نحو خاص». ورأت في بيان أن عملية «نمر القدس» في «ظل المحاولات المحمومة لإعادة تمرير مشروع التسوية بصيغ وأفكار جديدة وخطيرة تؤكد قدرة المقاومة على التصدي لها لإفشالها».