«أخيراً ستقود الملكة»، هذا ما دوّنته امرأة سعودية احتفالاً بالمرسوم الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز، ويقضي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، مما يكسر عقوداً من هضم حقّ هو من الحقوق البديهية للمرأة. حالما صدر القرار أول من أمس، انهمرت ردود الفعل عربياً وعالمياً.
هيئة كبار العلماء في السعودية التي لطالما حاربت قيادة النساء كونها «تفتح أبواب الشرور»، سرعان ما انقلبت، فغرّدت على تويتر: «حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الذي يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية». أما المغرّدون، فقد انقسموا بين مؤيد ومعارض للقرار، فيما شهدت التدوينات جدلاً واسعاً عبر هاشتاغات عدة تصدرت تويتر أهمّها #الملك_ينتصرُ_لقيادة_المرأة و# سوقي_لاتصدميني و#ستقودي_ولن_تعودي و#الشعب_يرفض_قيادة_المرأة، على اعتبار أنّ القرار الملكي يعطي أبسط الحقوق للمرأة، وبين من وجد أنّ للقرار أبعاداً سياسية تمهّد الطريق لوصول ولي العهد محمد بن سلمان للحكم وتقديمه على أنه «نصير الشباب والبديل الأفضل للمملكة العجوز».
الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، التي اعتقلت عام 2014 بسبب قيادتها السيارة من الإمارات إلى الحدود السعودية متحدية بذلك قرار الحظر المفروض على النساء،
غردت في أعقاب الأمر الملكي، قائلة: «الحمد لله». منال الشريف، رفيقة لجين في النضال والمعتقل، وصاحبة حملة «سأقود سيارتي بنفسي»، غرّدت أيضاً بأنّ «السعودية لن تكون كما كانت في السابق»، معلنة من أستراليا حيث تقيم عن تزامن القرار الملكي مع إصدار كتابها «القيادة نحو الحرية» (دار التنوير) عن تجربتها في حملات المطالبة بقيادة المرأة في المملكة.
من ناحيته، أرجع الصحافي جمال خاشقجي الذي صار يصنّف ضمن خانة «المعارضين» الفضل في هذا القرار إلى تضحيات النساء اللواتي واصلن مطالبتهن وتحملن الأذى من أجل هذا اليوم التاريخي: «يجب ألا نغفل تضحيات نساء فاضلات أبقين هذا القضية حية وتعرضن للأذى، البعض يدين لهن بالاعتذار والشعب يدين لهن بالشكر». الكاتبة والباحثة الكويتية إيمان شمس الدين، دخلت على الخط أيضاً، فغردت «ألف مبروك للمرأة السعودية إصرارها على أبسط حق إنساني لها»، كما لفتت إلى أنّ «المشكلة ليست في قرار السماح للمرأة السعودية بالقيادة، بل كيف سيطبق القرار ومتى؟».
الاهتمام بالمرسوم الملكي السعودي لم يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل شمل وسائل إعلام أجنبية، وخصوصاً الأميركية. شبكة «سي. أن. أن» علّقت بالقول إنّ «المرأة السعودية ستكون قادرة على القيادة، لكن العديد من القيود المفروضة على حياتها لا تزال سارية»، في الوقت الذي ذكّرت فيه صحيفة «فايننشال تايمز» بأوّل احتجاج في السعودية على قيادة المرأة عام 1990 بعد غزو العراق للكويت، كون «الكثير من النساء اللواتي شاركن في حملة القيادة تمت ملاحقتهن ونبذهن. وقد تم إحياء الدعوة من جديد للقيادة النسائية مع بداية الربيع العربي في 2011، بقيادة جيل الشباب من الناشطات، وكثير منهم تعلموا في الخارج». ونشرت هذه الصحيفة الأميركية تعليق الناشطة حصة الشيخ التي قادت سيارتها في أوائل التسعينيات: «تهانينا للمرأة السعودية. لقد عشنا لنرى هذا اليوم بعد 27 عاماً».
صحيفة «نيويورك تايمز» رأت أنّ هذا القرار سيكون «بداية لتوسيع دور المرأة ومشاركتها في سوق العمل»، موضحة أنّه «يقدّم المملكة بثوب جديد للعالم».
بريطانياً، وضعت «هيئة الإذاعة البريطانية» المرسوم في إطار «تغييرات متسارعة تشهدها السعودية باتجاه جعل المجتمع أكثر انفتاحاً»، مشيرة إلى أنّه سبقه «السماح للمرأة بالمشاركة في الاحتفالات باليوم الوطني»... ولفتت أيضاً إلى أصوات تتناول القرار في سياق «رؤية الأمير محمد بن سلمان لتغييرات سياسية واجتماعية واسعة في السعودية، ومحاولة الحد من نفوذ الفكر الوهابي»، مرجّحة أن يكون هذا ما يفسّر «ترحيب واشنطن السريع بالخطوة السعودية». وأضافت bbc أنّ القرار صدر في وقت تناولت فيه الكثير من التقارير «الحرب السعودية في اليمن، وعدم تحقيق حسم عسكري في هذه الحرب رغم أنها مستمرة منذ أكثر من سنتين، مما يراه بعض المحلّلين إخفاقاً واضحاً، علاوة على إخفاق السعودية في تحقيق التغيير الذي سعت إليه في سوريا».