ليس غريباً على النظام البحريني ما كشفته صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية اليوم عن أن الحاخام اليهودي مارك شناير، وهو حاخام المعبد اليهودي في مدينة هامبتون الأميركية، سيترأس بعثةً يهودية إلى البحرين، في بداية عام 2018 كأول وفد يهودي يزور دولةً عربية في الخليج، بعد دعوته من قبل الملك حمد بن عيسى آل خليفة. فنظام آل خليفة لم يعد يرى حرجاً في إظهار مساعيه التطبيعية مع الكيان الصهيوني الغاصب، بدءاً من مرحلة التطبيع الدبلوماسي وصولاً إلى التعاون الأمني والاقتصادي، إذ سبق للنظام البحريني أن أنهى مقاطعته للبضائع الإسرائيلية وأغلق مكتب المقاطعة (في أيار/ مايو 2006) قبيل تصديق الكونغرس على اتفاق التجارة الحرّة، وتم تعيين يهودية كسفيرة للبحرين في الولايات المتحدة بمرسوم ملكي (في يوليو/ تموز 2008 حتى 2013)، فضلاً عن قيام وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة بلقاء مسؤولين صهاينة كبار في واشنطن بعد اندلاع ثورة «14 فبراير»، بهدف مناقشة الأوضاع المتعلقة بالبحرين والاستفادة من أية أفكار للقضاء على المعارضة وكيفية إفشال الثورة. وأعقبه عقد لقاء سري مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو حسب ما ذكرته صحيفتا «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» في 27 آذار/ مارس 2011.
وبحسب "جيروزاليم بوست" سيكون هذا الوفد أول وفد يهودي يزور دولةً عربية في الخليج، وبعدها سيزور كيان العدو الصهيوني.
وتأتي هذه الزيارة بعد أيام على توجيه حكومة المنامة المساجد بوقف الخطب المناهضة لـ"تل أبيب"، وفق ما نقله موقع "ميدل إيست آي" عن أحد أئمة المساجد في مدينة الرفاع البحرينية.
وتوقّع مسؤولون بحرينيون عبر "ميدل إيست إي" إمكانية إعلان تطبيع العلاقات بشكل رسمي في غضون سنة، إثر توفّر عدد من الدلائل التي تشير الى أن المنامة تسقط عداءها التقليدي لـ"إسرائيل"، وزيارة مسؤولين من اتحاد كرة القدم الإسرائيلي إلى مؤتمر فيفا في مايو/أيار في المملكة مثال على ذلك.
المسؤولون لفتوا حينها إلى أن الجانبين يعملان بالفعل على إقامة زيارات تبادل لوزراء ورجال أعمال وشخصيات دينية دون أن يتطوّر الأمر الى فتح بعثات دبلوماسية، وهو ما أكده مسؤول غربي أيضًا حين قال لـ "ميدل أيست إي" "لا أعتقد بأننا سنشهد افتتاح سفارة إسرائيلية هنا، لكن على الأرجح ستكون لدينا زيارات رسمية من وزراء التجارة والشؤون الاقتصادية".
بدوره، قال مسؤول بحريني آخر لـ "ميدل إيست إي" إن "إقامة علاقات مع "إسرائيل" لن تكون مشكلة، فالأخيرة لا تشكّل تهديدًا للمملكة الخليجية"، وأضاف ""اسرائيل" لا تهدّد أمننا أو تتآمر علينا ولكن إيران بالتأكيد تفعل ذلك"، وفق ادّعائه.
وكان الحاخام البارز الذي التقى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قد صرّح في وقت سابق من الأسبوع الماضي بأن الملك حمد قال إنه يعارض مقاطعة الدول العربية لـ"اسرائيل" ويعتزم السماح لمواطني مملكته بزيارة الأراضي المحتلة بحريّة.
وفي فبراير/شباط الماضي، التقى الملك البحريني الحاخام مارفن هير، وهو عميد ومؤسس مركز "سيمون فيزنتال" في لوس أنجليس في ولاية كاليفورنيا الأميركية إلى جانب المدير المشارك لمركز "فيزنتال" الحاخام أبراهام كوبر.
هاير قال لصحيفة "تايمز أوف اسرائيل" إنه كان في دبي في مهمّة خاصة بمؤسّسته عندما دعاه الملك شخصيًا لزيارة قصره، وأضاف "في الوقت الذي عُقد فيه الاجتماع في فبراير/شباط الماضي، قال إنه مستعدّ الآن لمناقشة مضمونه بعد أن تلقّى إشارة واضحة من الملك، وكانت الإشارة الأخرى أن الأمير البحريني ناصر بن حمد آل خليفة قد حضر مناسبة كبيرة لمركز "ويسنتال" الأسبوع الماضي، كما زار متحف التسامح المؤيّد لـ"إسرائيل" الذي يقع في "لوس أنجلوس".
وردًا على سؤال حول ما اذا كان الملك مستعدًا للسماح للبحرينيين بزيارة الأراضي المحتلة، قال هير "بشكل لا لبس فيه"، وأردف: "الملك البحريني تقدّم كثيرًا في تفكيره من القادة الآخرين فى المنطقة.. ليس هناك مقارنة"، وتابع "الملك لا يرى أن هناك سببًا لوجود أعمال عدائية بين "تل أبيب" والمنامة، فهو أوضح أن الطرفين يمكن أن يكونا حليفين لوقف النفوذ الإيراني في المنطقة"، على حدّ تعبيره.
انقر هنا من أجل الرد أو إعادة التوجيه
يوم الثلاثاء، 12 أيلول (سبتمبر)، جلس وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. ووفقاً لما نشرته السفارة الروسية على وسائل الإعلام الاجتماعية، فإنهما ناقشا في لقائهما موضوع التعاون المشترك ضد "داعش". ويأتي ذلك في أعقاب وصول الجيش السوري إلى مدينة دير الزور على نهر الفرات في شرق سورية، وكسر الحصار الذي دام عامين ونصف العام على المدينة. وقد لعبت روسيا دوراً رئيسياً في النجاحات التي أحرزها الجيش السوري، وهو ما يعني باطراد أن القوات السورية التي تدعمها روسيا سوف تلتقي بقوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة. ويوم 16 أيلول (سبتمبر)، قال التحالف بقيادة الولايات المتحدة إن ضربة جوية روسية شرق نهر الفرات أسفرت عن جرح عدد من أفراد قوات سورية الديمقراطية. وبينما يتراجع "داعش"، تملأ الفراغ الذي يتركه مجموعات ذات أجندات مختلفة، في حين أن سياسة واشنطن ما تزال غير واضحة في شرق سورية. ويقود هذا الوضع إلى ترسيخ نفوذ إيراني أكبر عبر العراق وسورية، ويترك حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، وإسرائيل، وعلى الأرض في سورية، وهم يتساءلون عما سيأتي تالياً.
بعد أيام من تمكُّن الجيش السوري -بمساعدة كبيرة من سلاح الجو الروسي- من كسر الحصار على دير الزور، شنت قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة هجوماً للوصول إلى المدينة من الجهة الأخرى من نهر الفرات. وذكرت وكالة الإعلام الكردية، روداو، أنهم وصلوا إلى المنطقة الصناعية في المدينة يوم 10 أيلول (سبتمبر). ودير الزور مدينة مهمة استراتيجياً لأنها أكبر مدن محافظة دير الزور، وتمتد على كلا جانبي نهر الفرات وحتى الحدود العراقية. وقد توسع "داعش" على طول هذه المنطقة في العام 2014، واستخدمها كقناة لدخول محافظة الأنبار العراقية ذات الأغلبية السنية عن طريق معبر البوكمال. وبينما تتقلص خريطة المناطق التي يسيطر عليها "داعش" يوماً بعد يوم، وتوشك قوات سورية الديمقراطية على انتزاع عاصمته في الرقة، توجه الولايات المتحدة وروسيا وحلفاؤهما أنظارهم إلى المرحلة التالية من الصراع في سورية والعراق.
يرى جوناثان سباير، مدير مركز روبين لأبحاث الشؤون الدولية في مركز هرتسليا متعدد التخصصات، أن الوضع الحالي يثير أسئلة مهمة، خاصة عن الدعم الإيراني للنظام السوري. ويقول سباير: "إننا نعرف ما يفعله النظام السوري، وهو يحاول هزيمة ‘داعش’ وإعادة ترسيخ سيطرة النظام. ويريد الإيرانيون المعبر الحدودي في البوكمال والممر البري الذي يشكل المعبر جزءاً منه". وتساعد السيطرة على المعبر والطريق إيران على تحقيق هدفها المتمثل في ربط المتشددين الشيعة الذين تدعمهم مع حزب الله في لبنان عن طريق حليفها في دمشق.
يقول سباير: "إننا نعرف ما يريده الإيرانيون، وما تريده قوات سورية الديمقراطية، لكن ما يريده الأميركان يظل أقل وضوحاً... ليست هناك استراتيجية أميركية شاملة باستثناء التركيز على تدمير داعش". ويضيف سباير أن الإيرانيين يرون العراق وسورية ولبنان كميدان واحد يمكن أن يلعبوا فوقه لعبة استراتيجية بارعة في جميع أنحاء المنطقة. وهذا هو السبب في أن حزب الله يقاتل في سورية، وأنه تم رصد بعض من رجاله في العراق. وهو السبب في أن الميليشيات العراقية تعمل في سورية. وعلى النقيض من ذلك، تنظر الولايات المتحدة إلى كل من البلدين بشكل مختلف، فتعمل مع حكومة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي في بغداد ضد "داعش"، وتعمل مع قوات سورية الديمقراطية في سورية، وتعمل مع حكومة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في بيروت. ويرى سباير أن "تسليم إدارة ملف سورية للروس" سوف يرقى إلى مستوى تسليم سورية لخصوم أميركا.
يشير فلاديمير فان فيلينبورغ، محلل الشؤون الكردية المقيم في سورية والذي يتمتع بدراية بقوات سورية الديمقراطية، إلى أن الروس والأميركيين سعوا إلى "تجنب الاشتباك" بينما تصبح قواتهما أقرب إلى بعضها البعض. ويقول: "لا أعتقد أن سياسات قوات سورية الديمقراطية تقوم على المرور عبر مدينة دير الزور-ربما يدخلون بعض الأحياء فقط، لكن المدينة للنظام". وتريد قوات سورية الديمقراطية أن تأخذ الريف، ويبدو أن الأميركيين مهتمون بتحركهم نحو الحدود العراقية، كما يقول فيلينبورغ، الذي يضيف: "أعتقد أن هذه هي الخطة، لكنهم يصنعون خطاً مع (النظام) السوري، ولن يحب الإيرانيون ذلك. سوف تحاول روسيا والأميركيون أن ينسقوا الأمور". والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقول على الملأ أن سياستها تقوم على احتواء النفوذ الإيراني ولفت الانتباه إلى منطقة الحدود كمكان للقيام بذلك.
تعمل العلاقات الأميركية-الروسية في الوقت الحالي من خلال آلية "تجنب الاشتباك" التي عملت على تجنب اصطدام القوات الجوية للطرفين. وفي أواخر آب (أغسطس)، سُمح لقافلة من مئات عدة من مقاتلي "داعش" بمغادرة منطقة القلمون على الحدود اللبنانية-السورية وفقاً لاتفاق مع حزب الله. وكان من المفترض أن يعبر هؤلاء المقاتلون إلى بلدة البوكمال، لأن النظام كان يستعد للهجوم على دير الزور ولم يرد أن يضطر إلى الاصطدام بمقاتلي "داعش" مرة أخرى. وتحت ضغط من العراق، الذي لم يُرد أن تعبر القافلة الحدود، استهدف التحالف بقيادة الولايات المتحدة إحدى الطرق لمنع القافلة من التقدم. وفي تصريح له، قال التحالف إنه كان قد اتصل "مع الروس لإيصال رسالة إلى النظام السوري تفيد بأن التحالف لن يتغاضى عن تحرك مقاتلي داعش أبعد إلى الشرق نحو الحدود العراقية". ومع أن عمليات التحالف الجوية عبرت نهر الفرات، فإن التحالف يصر باستمرار على أنه "ليس لديه معركة مع النظام السوري أو حلفائه في القتال المناهض لـ‘داعش’".
يبدو أن الروس يشدِّدون موقفهم إزاء الدور الأميركي في سورية. وقيل يوم الأحد، العاشر من أيلول (سبتمبر)، أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال: "كل من يتواجد على التراب السوري أو في المجال الجوي السوري من دون موافقة الحكومة، بما في ذلك الولايات المتحدة، يكون قد انتهك القانون الدولي". وفي أوائل أيلول (سبتمبر) الحالي، قالت وكالة سبوتنيك للأنباء، التي تعتبر مقربة من الحكومة الروسية، أن "طائرة أميركية تقوم بإجلاء 20 من قادة ‘داعش’ من دير الزور -مصدر". وكان هذا الخبر تضليلاً بالتأكيد، لكنه كان مصمَّماً لوصم الولايات المتحدة كفاعل سيئ في سورية. ويوم 11 أيلول (سبتمبر)، وفي رد على مزاعم بأن الولايات المتحدة ضربت الجيش السوري، غرد المتحدث باسم قوات المهام المشتركة لعملية العزم الصلب على "توتير" بأن الشائعات "كاذبة، إن معركتنا هي مع ‘داعش’، 22 ضربة جوية هذا الأسبوع".
على الرغم من الحرب الهادئة القائمة على الشائعات وتبادل الكلمات، هناك أيضاً مؤشرات على أن موسكو تنظر إلى دور قوات سورية الديمقراطية بشكل ودي. فيوم 13 أيول (سبتمبر)، رشح أن الجيش الروسي قال إن 85 في المائة من سورية قد تم تحريرها من الأعداء. ووفقاً لوكالة الأسوشيتد برس، قال الجنرال الروسي ألكسندر لابين أن 15 في المائة من البلد هي التي لم تتم استعادتها بعد. ويعني ذلك أنه لا يُنظر إلى مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، التي تعادل مساحتها نحو 35 في المائة من البلد، على أنها تحت سيطرة أعداء. وقد لعب المراقبون العسكريون الروس دوراً في أماكن مثل عفرين التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، وإنما فعلوا ذلك حيث لا تكون الولايات المتحدة حاضرة.
يترك ذلك كله سؤالاً كبيراً حول ما ستكون عليه السياسة الأميركية بينما يسعى حلفاء الولايات المتحدة إلى تحرير مزيد من المناطق على طول وادي نهر الفرات وفي اتجاه الحدود العراقية. وفي الوقت الحالي، تسيطر على الجهة الثانية من الحدود العراقية الميليشيات المدعومة من إيران في معظمها، والتي تُدعى قوات الحشد الشعبي، وتشكل رسمياً جزءاً من قوات الأمن العراقية. وتريد هذه القوات التحرك قدماً للاستيلاء على مدينة القائم الواقعة مقابل البوكمال. ثم سترغب عند ذلك بالاتصال مع قوات النظام السوري وميليشياتها الخاصة المدعومة من إيران في سورية. وفي المقابل، تظل الولايات المتحدة ملتزمة فقط بهزيمة "داعش" وفي العراق، عملت القوات الأميركية التي تساعد العراقيين جنباً إلى جنب مع الميليشيات الشيعية في الحملات الأخيرة، مثل حملة تحرير تلعفر. ومع ذلك، لا تقوم سياسة التحالف الرسمية في العراق على العمل مع الميليشيات، وإنما مع الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والوحدات الأخرى فقط. وهو تفريع سهل ليس له معنى على الأرض، حيث تتداخل كل هذه القوى في الحرب على "داعش".
سوف يشرع ما تقرر الولايات المتحدة وحلفاؤها من قوات سورية الديمقراطية في الأشهر المقبلة بتحديد طبيعة المرحلة المقبلة من مستقبل الشرق الأوسط. فإذا بدأت الولايات المتحدة في رسم ملامح سياسة احتواء للنفوذ الإيراني، فإنها ستتمكن من فعل ذلك مع شركائها. أما إذا كانت موجودة هناك لهزيمة "داعش" فحسب، فإن استراتيجيتها لما بعد "داعش" في العراق وسورية ستترك شركاءها غير المنحازين إلى إيران مع مستقبل غير واضح المعالم. وسوف ينطوي مثل ذلك على تداعيات تمتد إلى ما بعد وادي نهر الفرات. وسوف يؤثر على الكيفية التي تنظر بها كل من السعودية، والإمارات، وإسرائيل والأكراد وتركيا إلى الالتزامات والسياسة الأميركية.
سيث فراتزمان – (ذا ناشيونال إنترست) 21/9/2017
ترجمة: علاء الدين أبو زينة