كشف جهاز «الشاباك» الإسرائيلي عن اعتقال ثلاثة شبان فلسطينيين بتهمة «التخطيط لتنفيذ عملية إطلاق نار في محيط المسجد الأقصى... برعاية داعش»، علماً بأن التنظيم موجود في بقع جغرافية قريبة من حدود فلسطين المحتلة، لكنه لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل

انتهجت أجهزة العدو الأمنية سياسة المسارعة في اتهام غالبية منفذي العمليات «النوعية» من الفلسطينيين بأنهم «يؤيدون تنظيم داعش»، إذ تكفي مراجعة «بسيطة» لتقارير صادرة عن «جهاز الأمن الداخلي» (الشاباك) كشف فيها عن اعتقال خلايا أو «إحباط عمليات» للخروج باستنتاج مفاده أنه يتهم غالبية المنفذين، أو المخططين، أو الذين باتوا أسرى أو شهداء، بأنهم «ينتمون أو يؤيدون داعش، أو ينوون الانخراط في صفوفه».

آخر الاتهامات في هذا السياق كانت مع كشف «الشاباك» أمس عن اعتقال ثلاثة فلسطينيين من مدينة أم الفحم، في أراضي الـ 48، خلال الشهر الجاري، اتهمتهم «بالتخطيط لتنفيذ عملية إطلاق نار في محيط المسجد الأقصى»، وبأنهم «خططوا لهذه العملية بإيحاء من داعش الذي يؤيدونه في أفكاره وأيديولوجيته».
ووفق ما نشرته وسائل إعلام عبرية نقلاً عن «الشاباك»، فإن المعتقلين الثلاثة، سعيد محمد جبارين (26 عاماً)، وفراس محاجنة (24 عاماً)، وقاصر يُمنع كشف هويته (16 عاماً)، «خططوا لتنفيذ عملية إطلاق نار في محيط المسجد الأقصى، شبيهة بتلك التي نفذها المحمدون الثلاثة من عائلة الجبارين قبل شهرين»، في إشارة إلى العملية النوعية التي قتل فيها شرطيان إسرائيليان، وأغلق على أثرها الأقصى في وجه المصلين لأول مرة منذ عقود.
وفي المعلومات التي كشفها الجهاز الإسرائيلي، ادعى بأن «المعتقلين اعترفوا خلال التحقيقات بأنهم يؤيدون داعش، وأنهم كانوا يتصفحون بكثافة مواقع إلكترونية تتماهى معه، من ضمنها مشاهدة فيديوات توثق النشاط العسكري لعناصره»، بالإضافة إلى اتهام أحد المعتقلين بأنه «خطط للسفر إلى سوريا للانضمام إلى التنظيم»، وأن العملية كانت ستُنفذ «بدعم وتأييد من داعش».
أمّا بالنسبة إلى المعتقل محاجنة، فهو متهم بأنه «وفّر ذخائر ومسدساً كان من المفترض أن يستخدم في تنفيذ العملية»، إذ «باع المسدس للمتهم جبارين، بعدما كان قد حازه خلافاً للقانون، بالإضافة إلى أنه وُجد في منزله سلاح كارلو غوستاف، محلي الصنع».
وخلال اعتقال الشبان الثلاثة، اعتقلت الشرطة شباناً آخرين «تتهمهم بالتورط في بيع هذه الأسلحة والمتاجرة بها بصورة غير قانونية». وفي لائحة الاتهام أيضاً، ورد أن النية لتنفيذ العملية كانت «في ساعات الصباح حيث لا يكون المصلون المسلمون بكثافة».
في غضون ذلك، قال مصدر في «الشاباك» لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، إن «الاستنتاج الذي خرج به من التحقيقات أنه بعد مدة قصيرة فقط من تنفيذ عملية الجبارين في محيط الأقصى، خطط هؤلاء لتنفيذ عملية أخرى مشابهة من حيث المكان والأدوات».
المسارعة في اتهام المقاومين الفلسطينيين بعد كل عملية بأنهم من «داعش» تحيلنا إلى ثلاثة حوادث مهمة، على الأقل، نستنتج خلالها أن العدو يحاول في كل مرّة الترويج لفكرة أن هذه العمليات لم تحدث أو لم تكن لتحدث بإيحاء أو بدعم من فصائل المقاومة الفلسطينية، بل بإيحاء «من تنظيم راديكالي يُتفق على تصنيفه إرهابياً في غالبية دول العالم»، وأن إسرائيل ليست بمعزل عن «شذراته الإرهابية»، علماً بأن «داعش» موجود جغرافياً في أكثر من منطقة قريبة من فلسطين المحتلة، من ضمنها على الحدود مع الجولان السوري المحتل، وكذلك في صحراء سيناء المصرية، ولم يحدث أن بادر، على الرغم مما يملكه من عتاد وأسلحة، إلى توجيه ضربة إلى إسرائيل.

حتى عندما اقتحمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، قرية أم الحيران، وهدمت بيوتها، قُتل الشهيد يعقوب أبو القيعان وهو يحاول أن يركب سيارته ويبتعد، مع أنه لم يكن يشكل أدنى خطر على الجنود المدججين بالأسلحة الذين أتوا لهدم قريته. لكن وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، اتهم آنذاك أبو القيعان بأنه «كان يحاول تنفيذ عملية دهس وأنه ينتمي إلى داعش». ذلك الاتهام السريع جاء قبل صدور أي تقرير من الأجهزة الأمنية، تماماً كما اتُّهم الشهيد نشأت ملحم، الذي نفذ «عملية ديزنغوف» في تل أبيب، الأمر الذي تكرر مع الشهيد مصباح أبو صبيح بعد تنفيذه إطلاق نار في القدس.
ويأتي هذا الكشف عن اعتقال الشبان الثلاثة بعد يومين على العملية التي نفذها الشهيد نمر الجمل على مدخل مستوطنة «هار أدار»، وصرّح في أعقابها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بأنه «قد نكون أمام نمط جديد من العمليات». كما تأتي بعد نحو أسبوعين على كشف «الشاباك» عن اعتقال خلية مكونة من ثمانية أشخاص من القدس وأم الفحم المحتلتين، كانت تنوي تنفيذ عمليات ضد الاحتلال.
وبالعودة إلى تصريح نتنياهو، أوضحت مصادر في المقاومة الفلسطينية أنه «بعد عملية الجبارين، ومحاولات الاحتلال المتكررة لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، فإن المقاومة قررت إسقاط جميع الخطوط الحُمر». وأضافت هذه المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «العمليات قد لا تنحصر في محيط الضفة والقدس المحتلتين، وقد لا تشمل بالضرورة أشخاصاً منخرطين في العمل المقاوم أو النشاط السياسي، أو حتى ذوي ماضٍ أمني»، في إشارة إلى عملية النمر.
هذا «النمط المستجد» من العمليات يظهر أن فصائل المقاومة الفلسطينية دخلت في مرحلة تضيق فيها الخيارات المطروحة لمواجهة الاحتلال، لكن تأتي العمليات بالتزامن مع ما يحاك من «صفقة» إقليمية تنهي القضية الفلسطينية وتفتح باب التطبيع العربي مع إسرائيل على مصراعيه.

المصدر: بيروت حمود - الأخبار