عشر سنوات مرت على الانقسام بين حركتَي «فتح» و«حماس». في تلك السنين، استخدم الطرفان كل شيء في صراعهما: من مواجهات عسكرية، وصولاً إلى عقوبات اقتصادية ضد سكان قطاع غزة. كل هذا انتهى في ليلة وضحاها، مع أن كل المبادرات العربية والدولية لإنهاء الانقسام في السابق لم تنجح في وقف الصدام بينهما. يؤكد الطرفان أنّ المصالحة ستتحقق هذه المرة بسبب رفع الفيتو الدولي عن إتمامها والسبب... «صفقة القرن» التي يروّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن رغم كل هذا التفاؤل، هناك قناعات بأن آثار سنوات الانقسام ستبطئ من إتمام المصالحة
حطّ رئيس حكومة «الوفاق الوطني» رامي الحمدالله رحاله في قطاع غزة، أمس، بعدما غاب عنها لسنين. خرج آلاف الفلسطينيين لاستقباله في مشهد نادر في المنطقة «المحرّمة» سابقاً على رجال «السلطة» ومريديها.
شكر رئيس الحكومة حركة «حماس» على حلّها اللجنة الإدارية، وقال «لن تكون الدولة دون وحدة جغرافية بين الضفة والقطاع، ولنغلق فصل الانقسام بكل تبعاته لأن الطريق الوحيد للدولة هو عبر الوحدة».
لكن رغم التصريحات الإيجابية التي أطلقها طرفا الانقسام الفلسطيني في الآونة الأخيرة، فإن الواقع وإتمام المصالحة ليسا بالأمر السلس وسهل المنال، فالملفات الصدامية مثل حل أجهزة الأمن الداخلي (التابعة لحماس)، وعودة عمل جهاز الأمن الوقائي (التابع للسلطة) في غزة، لم تناقش بعد، وقد تهدد إتمام المصالحة بسبب تعقيدها.
بعض قيادات «حماس» وصفت زيارة الوفد الحكومي لغزة أمس بـ«الاستكشافية»، إذ تنتظر رام الله التقرير الذي سيرفعه الحمدالله إلى رئيس السلطة محمود عباس، الذي سيقرر (بناءً على ما يرد في التقرير)، إلغاء بعض الإجراءات العقابية التي اتخذها ضد قطاع غزة.
ووفق المعلومات، فإن زيارة الوفد الحكومي الذي ضم قرابة 200 شخص تستمر حتى يوم الخميس المقبل، تتخللها لقاءات يعقدها وزراء «الوفاق الوطني» مع موظفي وزاراتهم في غزة. حتى الآن، تُعتبر هذه الاجتماعات بروتوكولية وصورية، ولا سيما أن الملف الخلافي، أي دمج الموظفين (التابعين لحماس) وإدراجهم على ميزانية السلطة، مؤجل حالياً وسيُناقش في القاهرة بداية الأسبوع المقبل.
وستشهد القاهرة سلسلة من الاجتماعات بين السلطة و«حماس» للبحث في خمسة ملفات: دمج الموظفين، إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، إدارة المعابر، حل الأجهزة الأمنية التابعة لحماس وتفعيل عمل منظمة التحرير.
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة طارق رشماوي لـ«الأخبار»، إن «الحكومة شكّلت ثلاث لجان فنية تتعلق بالمعابر والأمن والموظفين، وستباشر عملها فوراً لإيجاد آلية لحلّها». وتشير المصادر الحكومية في غزة إلى أنه «ستتم دعوة الموظفين المستنكفين للعودة إلى عملهم، إلى جانب الموظفين الحاليين الذين جرى تعيينهم بعد عام 2007، حيث لا يوجد قرار بفصل أحد، وسيتم النظر بالموظفين الجدد عبر لجان إدارية وقانونية ستشكل لاحقاً». وكان الحمدالله قد قال إن «أزمة الموظفين ستتم وفق اتفاقات 2011 (تشكيل لجان لدمج الموظفين)».
ويرافق عودة الموظفين المستنكفين، تجميد مؤقت لقرار التقاعد المبكر الذي أصدره عباس قبل عدة أسابيع، رداً على تشكيل «اللجنة الإدارية»، «لكن التجميد لن يشمل مسألة حسم الرواتب، إذ سيظل القرار سارياً، إلى حين رفع رئيس الحكومة رامي الحمدالله تقريره حوله زيارته». من جهتها، جددّت «حماس» التأكيد على دعوة رئيس مكتبها في غزة يحيى السنوار، الموظفين (الذين عيّنتهم الحركة) إلى الالتزام بالتعليمات الصادرة عن الوزراء والمديرين العامين التابعين للحكومة.
ومن المقرر أن تُشكّل الوزارات فرقاً فنية مشتركة بين رام الله والموظفين في غزة، يكون من بينهم «المستنكفون» لدراسة آليات تسلّم الوزارات. وبحسب المعلومات، فإنّ الحكومة ستشكل فريقاً من 420 شخصاً من الموظفين القدامى، الذين استمروا في عملهم وتقاضوا رواتبهم من السلطة، للعمل في الوزارات، وبقوا على تواصل مع رام الله ضمن عملية تسليم الوزارات. وقالت مصادر حكومية إن «المصريين برئاسة (مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات العامة المصرية) اللواء سامح كامل سيشرفون على وضع هذه الآليات، فيما سيتولى (رئيس جهاز المخابرات) اللواء خالد فوزي الأسبوع المقبل الإشراف على آليات المصالحة بالكامل». وقال المتحدث باسم حكومة الوفاق يوسف المحمود، لـ«الأخبار» إن «الحكومة ستنظر في اجتماعها (الذي يعقد اليوم) بكل الملفات المتعلقة بالمصالحة، وستبدأ بتفكيك أزمات الموظفين والمعابر والأمن، على أن تستكمل لاحقاً في القاهرة». وأفادت مصادر حكومية بأنّ الجانب المصري سيطّلع على آليات عمل اللجان الفنية الثلاث (الأمن، المعابر والموظفين)، على أن تُدرس أوضاع الموظفين لاحقاً، إذ من المتوقع أن تكون المناصب العليا في الوزارات «موضع خلاف، لكن سيعيّن أصحاب التخصصات والمؤهلات، وهذا الملف متروك للنقاش في القاهرة».
وللمرة الأولى منذ 11 عاماً، زارت وفود أمنية وسياسية وإعلامية مصرية غزة، برئاسة السفير المصري لدى إسرائيل حازم خيرت ومستشاري (رئيس جهاز المخابرات) اللواء خالد فوزي، تحضيراً لمجيئه إلى غزة اليوم برفقة وفد إعلامي وأمني عبر معبر «إيرز»، وذلك بعدما التقى عباس في رام الله أمس.
وفي السياق، قال مدير الإعلام في وزارة الشؤون المدنية محمد المقادمة لـ«الأخبار»، إنّ «وفداً تركياً سيصل إلى قطاع غزة الثلاثاء (اليوم)، برئاسة مساعد وزير الخارجية التركي أحمد يلدز». وبحسب المعلومات، فإن هذا الوفد «سيبحث ملف المصالحة مع رئيس الحكومة الحمدالله وسيفتتح معه مشاريع إسكانية، وسيلتقي رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية».
وفي نهاية الأسبوع المقبل، تعقد الفصائل الفلسطينية اجتماعاً في القاهرة، لمناقشة ملفات «إعادة تفعيل منظمة التحرير والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني». وستناقش الفصائل ملف الانتخابات التشريعية، الذي تنقسم فيه وجهات النظر، إذ تتبنى «فتح» وبعض فصائل «منظمة التحرير»، وجهة نظر تقول إن فلسطين أصبحت دولة وعضواً مراقباً في الأمم المتحدة، ما يعني أن الانتخابات المقبلة ستكون للبرلمان الفلسطيني، أما وجهة النظر الثانية والتي تتبناها «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فترى أن فلسطين دولة تحت الاحتلال، لذلك يجب أن يبقى المجلس التشريعي على ما هو عليه.
كذلك يختلف طرفا الانقسام على قانون الانتخابات، إذ تتمسك حماس بما اتفق عليه عام 2011، والذي يقضي باجراء الانتخابات باعتماد 75% نظام قوائم (نسبي) و25٪ دوائر، فيما تصرّ فصائل منظمة التحرير على نظام نسبي كامل.
أما عن جدية الأطراف السير في المصالحة هذه المرة، وخاصة أن طرفي الانقسام عقدا عدة اتفاقات في السابق ولم يلتزما بها، قالت مصادر في «فتح» إن «فيتو الرباعية الدولية رُفع عن المصالحة، كما أن المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي مالدينوف، تعهّد بالتعامل مع أي حكومة وحدة وطنية تُشكّل». كذلك تعهد مالدينوف بالضغط على الدول المانحة للإسراع في عملية إعادة الإعمار والطلب من الدول الخليجية الإيفاء بتعهداتها تجاه غزة، والمساهمة في حل أزمات الكهرباء والمياه. وأشارت المصادر إلى أن «فتح» ستتجه لطلب توسيع حكومة الوفاق.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق عبدالله الأشعل لـ«الأخبار»، إنّ «ثمة رابطاً بين إتمام المصالحة وبين ما يجهز له بما يعرف بمؤتمر إقليمي للسلام، لذلك تسعى السلطة الى أن يكون الوضع تحت سيطرتها بشكل كامل، من باب الوصول الى حل سياسي شامل». واعتبر أنّ «رئيس السلطة يريد استئناف الاتصالات والمفاوضات مع الاحتلال، والظهور بأنه رئيس لكل فلسطيني، على عكس ما تتحدث به إسرائيل».