اساء ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الى رئيس جمهورية لبنان العماد ميشال عون بتجاهله في دعوة القيادات السياسية اللبنانية من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل واللواء اشرف ريفي وفارس سعيد منسق حركة 14 آذار والدكتور رضوان السيد الى رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي والنائب وليد جنبلاط الى الرياض والاجتماع معهم خارج أي تشاور سبق ذلك مع الرئيس اللبناني العماد ميشال عون.
وكان رئيس الجمهورية اللبناني قام بأول زيارة خارجية الى السعودية لتحسين العلاقة وتقويتها والتنسيق بين لبنان والسعودية، لكن الملك سلمان لم يبادله ردّ الجميل، لا بل تجاهل الرئيس ميشال عون وعاقب الجيش بتثبيت إلغاء هبة الثلاثة مليار دولار اأسلحة، مع أن لبنان بلد عربي وجيشه من كل المناطق والطوائف والمدن والبلدات، وهو جيش عربي وتقويته تزيد الطاقات العربية.
ما هكذا يكون ردّ الجميل يا جلالة الملك الذي تطالب بتعزيز العروبة، والرئيس اللبناني ميشال عون لم يزر إيران ولم يجتمع بالرئيس بشار الاسد، رغم أنه قام بزيارة السعودية، في إشارة واضحة إلى تعزيز دور لبنان العربي وتطمين فريق كبير أن لبنان هو خارج الصراع الإيراني - السعودي وخارج الحرب في سوريا وخارج أي اصطفاف في النزاعات العربية ودول الممانعة وإيران.
السعودية لم تأت دعواتها للقيادات اللبنانية صدفة ولا هي بريئة، بل السعودية درست الساحة اللبنانية وارسلت ضباط مخابرات سعوديين الى لبنان اجتمعوا مع قيادات سياسية لبنانية وجاؤوا بجوازات سفر ديبلوماسية كما ان السفير السعودي ومسؤولين موجودين داخل السفارة قاموا بتحضير الدعوة للقيادات اللبنانية، وبدأت الاشارة من المسؤول السعودي سبهان بعبارته ان على اللبنانيين ان يختاروا بين الدولة وحزب الله. وتأتي حركة السعودية ضد حزب الله في وقت يقوم الكونغرس الاميركي بإقرار المزيد من العقوبات ضد وهذا يظهر تنسيقا سعوديا - أميركيا ضد المقاومة وحزب الله.
السعودية وضعت آلية متكاملة للتدخل على الساحة اللبنانية عشية التقارب السوري - اللبناني وزيارة وزراء لبنانيين الى سوريا واجتماع وزير الخارجية اللبناني مع وزير خارجية سوريا، اضافة الى ان السعودية تعتبر حزب الله العدو الاول لها على الساحة اللبنانية، ولذلك هي تريد سحب الغطاء السياسي والحزبي وسحب الغطاء الشعبي لجمهور حلفاء السعودية والذين لهم علاقة مع السعودية عن حزب الله، وتعزيز الخطاب الذي ينتقد سلاح المقاومة وحزب الله وتشكل جبهة قوية حليفة لها عشية الانتخابات النيابية لها آلية كاملة للتنفيذ والتمويل والخطاب السياسي المعادي لخط الممانعة وعلى رأسه حزب الله، كذلك تريد السعودية تنفيذ القطيعة الكاملة بين لبنان وسوريا.
وفي وقت استطاع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأمين الاستقرار السياسي الداخلي بالتعاون مع الرئيس نبيه بري الذي لعب دورا معتدلاً، كذلك رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان معتدل ومتعاونا مع رئيس الجمهورية والرئيس نبيه بري، فان دخول السعودية على الخط اللبناني سيعيد التوتر السنّي - الشيعي في لبنان، وسيجعل الخطابات السياسية في مجلس النواب حادّة بين حلفاء السعودية والمتعاونين معها، ونواب حزب الله وحلفائهم. كذلك سيزيد من الشرخ داخل الحكومة نتيجة الموقف من حزب الله والموقف من العلاقة مع سوريا.
ان دعوة السعودية لفريق لبناني معيّن اكثريته من الطائفة السنيّة وتجاهلها للطائفة الشيعية كلها، سواء جمهور حزب الله ام جمهور حركة أمل، وهما يمثلان الشعبية الكبرى، لا بل معظم الجمهور الشيعي، يعني ان السعودية تزيد او تقوم بتقسيم لبنان سني - شيعي بتجاهلها الطائفة الشيعية، واظهار العداوة لها، وعدم محاولتها الحوار مع اي مسؤول شيعي، ومحاولة حصار حزب الله الذي هو من أهم مكوّنات الاحزاب في لبنان.
لقد سبق اثناء الوصاية السورية في لبنان الغاء الجمهور المسيحي واحزابه، فتم إبعاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى فرنسا واضطهاد العونيين، كذلك تم سجن الدكتور سمير جعجع وحل حزب القوات اللبنانية، كذلك ابعاد الرئيس امين الجميل عن لبنان ومنع حزب الكتائب اللبنانية من اي نشاط سياسي. وكل ذلك طوال 30 سنة لم يؤدِّ الا الى الاخلال بالتوازن في لبنان، وعند اول انتفاضة شعبية عادت الطائفة المسيحية الى قوتها وعادت الاحزاب العونية والقواتية والكتائبية الى اجتياح الانتخابات النيابية وتكوين كتل نيابية كبرى والانتشار على الساحة اللبنانية وخاصة الساحة المسيحية.
ان السعودية بمحاولتها عزل الطائفة الشيعية ترتكب الخطأ ذاته، في وقت استقرّ لبنان ولم يعد فيه اي جيش خارج الجيش اللبناني، واذا كانت المقاومة موجودة بقوة عبر حزب الله ولها سلاحها فان تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي وقيام حرب مع "اسرائيل" سنة 2006 وردع العدو الاسرائيلي اكد على اهمية سلاح المقاومة وفائدته في حماية سيادة لبنان، ومنع العدو الاسرائيلي من اجتياز خط الانسحاب الازرق بين لبنان وفلسطين المحتلة، بعدما كان يرتكب التجاوزات والعدوان تلو العدوان على الاراضي اللبنانية.
ثم ان اشتراك حزب الله في الحرب في سوريا ضد الارهاب التكفيري المتوحش وضمن مؤامرة لضرب دول الممانعة التي تواجه "اسرائيل" وتضرب المؤامرة التي اشترك فيها دول الخليج الفارسي وتركيا وقطر واميركا و"اسرائيل"، وذلك لتعزيز خط العلاقات القائمة بين "اسرائيل" ودول عربية مقابل ضرب خط دول الممانعة وحزب الله الذي له دور كبير في مواجهة "اسرائيل"، فان حزب الله انجز انجازا كبيرا في اسقاط المؤامرة في سوريا وضرب التكفيريين، كذلك في ضربهم في لبنان ومنعهم من عمليات ارهاب، وصولا مع الجيش اللبناني الى تحرير جرود السلسلة الشرقية من عرسال الى رأس بعلبك الى القاع وتأمين حدود لبنان كلها، اضافة الى ضرب التكفيريين في سوريا ومنعهم من اسقاط النظام واقامة دول التكفير، حتى ان روسيا التي هي من قارة اخرى جاءت الى سوريا وحاربت التكفيريين لانها تعرف خطرهم ومنعتهم من السيطرة على سوريا واقامة دولة داعش في سوريا.
ان على القيادات اللبنانية التي زارت السعودية ان تزور قصر بعبدا وتجتمع مع رئيس الجمهورية وتطلعه على المحادثات التي جرت في السعودية، اذا كانت تعتبر ان رئيس الجمهورية هو رأس الحكم في لبنان وهو الذي اقسم على الدستور في الحفاظ على لبنان وشعبه وسيادته ومصالحه العليا. وما لم تقم هذه القيادات باطلاع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فان ذلك يعني ان دستور الطائف في خطر والحكومة في خطر والانقسام في مجلس النواب سيزداد، اضافة الى التوتر الذي سيحصل بين الجمهور السعودي وجمهور الممانعة، سواء كان فرديا او كان على نطاق اوسع.
لم يتدخل لبنان في الشؤون الداخلية السعودية، ولم يقم أي حزب لبناني او فئة لبنانية بانتقاد تغيير ولي عهد وراء ولي عهد، ولم يقل ان الملك سلمان أزاح كل القيادات لتعيين نجله ولياً للعهد بعد ازاحة كل الامراء والمسؤولين، كذلك لم يتدخل لبنان في الحرب التي شنتها السعودية على اليمن، واستعملت فيها احدث الاسلحة واجتاحت سيادة اليمن غير عابئة بوجود دولة يمنية لها سيادتها ولو ان خلافا عسكريا وسياسيا حصل فيها. فكيف تتدخل السعودية في الشؤون اللبنانية عشية الانتخابات النيابية وعشية بدء حوار غير رسمي متكامل بين لبنان وسوريا. وأهم نقطة حل مشكلة النازحين السوريين، وضرورة البحث مع سوريا في هذا الامر، ورغم ذلك تتدخل السعودية بشكل سافر في الشؤون اللبنانية الداخلية.
ما هكذا يا خادم الحرمين الشريفين يكون ردّ الجميل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وما هكذا تكون السياسة الحكيمة اذا كانت موجودة لدى السعودية تجاه لبنان وشعبه واحزابه ودولته ورئيسه.