«كرم» دحلان في مهبّ الريح؟

الضغط المصري الحثيث لإنجاز المصالحة بسرعة أدى إلى القفز عن جملة من التصريحات أطلقها مسؤولون في «فتح» و«حماس»، وذلك على غير العادة، لكن عراقيل كبيرة، وبخاصة ملف المقاومة، في انتظار إجابات واضحة في ظل مطالبات مسبقة باشرتها السلطة

غزة | رغم مرور أسبوع على سير المصالحة الداخلية بصورة فعلية تحت رعاية مصرية، لا تزال هناك أسئلة كثيرة مبهمة، وكل إجاباتها، وفق مسؤولين في طرفي الانقسام حركتي «فتح» و«حماس»، مرجأة إلى حوارات القاهرة التي ستبدأ غداً الثلاثاء. ومع الأخذ والرد في قضايا الإجراءات العقابية بحق قطاع غزة ومصير موظفي حكومة «حماس» السابقة، فإن الأكيد بحكم الواقع أن ملف المقاومة لا يمكن للسلطة أو لمصر غض النظر عنه، خاصة أن الطمأنة المصرية في هذا الملف لا تمثل سبباً كافياً لإغلاق النقاش حوله، خاصة بعدما تكون المصالحة قد وصلت بـ«حماس» إلى خط اللارجعة.

تقول مصادر قريبة من المقاومة الفلسطينية إن ما سمعه الرئيس محمود عباس من وزير المخابرات المصرية خالد فوزي، في ملف المقاومة، هو أن الأمر غير مطروح للنقاش حتى التوصل إلى «اتفاق سياسي شامل» مع إسرائيل، وأن القاهرة هي الضامن لمنع وقوع مواجهة في المرحلة الجارية، وهو ما يعني عملياً أن ملف المقاومة سيُطرح في مرحلة مقبلة. ومشكلة المقاومة ليست محصورة في السلاح، بجميع أنواعه، بل ثمة استحقاقات يجب على «فتح» و«حماس» الاتفاق عليها بحكم الواقع الميداني الذي تغير في غزة على مدى عشر سنوات مضت، إذ توجد بنية تحتية كبيرة للمقاومة تشمل مواقع تدريب ونقاط مراقبة حدودية وأيضاً أنفاقاً ومواقع للتصنيع ولحاجات لوجستية وتقنية أخرى.

أول الغيث كان الحديث المبكر الذي تلقّته «حماس»، وفق ما تفيد به تلك المصادر، من السلطة، وتمثل في مطلب أن تسيطر الأجهزة الأمنية التي ستديرها حكومة «الوفاق الوطني» على المناطق الحدودية المحاذية لباقي فلسطين المحتلة أو لمصر، والتي أقيمت فيها نقاط مراقبة ومرابطة، فضلاً عن شوارع ممهدة وخاصة لعربات المقاومة، وذلك مع أن «الملف الأمني برمته تم التوافق على حله بعد عام، لكن التوافق عادت وطرحته ضمن حوارات اللجان التي شُكّلت لتسلّم الحدود والمعابر»، تكمل المصادر نفسها.
ومع أن التفاهمات الأخيرة قضت بدمج ثلاثة آلاف عنصر أمني من موظفي رام الله في الأجهزة الأمنية في غزة كمرحلة أولى تليها مرحلة ثانية بثلاثة آلاف موظف وثالثة بألفين، فإن طلباً آخر قُدّم عبر تلك اللجان بضرورة تسليم 22 موقعاً عسكرياً أقامتها المقاومة على طول الشريط الحدودي بين القطاع وفلسطين المحتلة. وفي حال تم ذلك، فإن الاحتكاك المباشر وعمليات الرصد والمتابعة ستواجه بعوائق كثيرة، خاصة في حال أتمّت إسرائيل بناء الجدار العازل على الحدود.
مع ذلك، تقول مصادر في المقاومة إن هذا المطلب لن يمثل مساساً بالمقاومة وبنيتها، خاصة أنه في وقت الحرب ستنسحب أجهزة السلطة كالعادة، لكن تخوّفها من أن يصار إلى الحديث عن المواقع الأساسية داخل القطاع إضافة إلى شبكة الاتصالات والكهرباء، التي تمثل بدورها خطوطاً حمراً. لكن مصادر في «فتح» ردّت على ذلك بالقول إن المطلوب أن يكون «قرار الحرب والسلم منوطًا فقط بمنظمة التحرير والرئيس عباس، وألا يستعمل سلاح المقاومة في شأن داخلي»، وإنه لا نية لدى «فتح» في «نزع سلاح المقاومة ما دام الاحتلال قائماً».
على الصعيد السياسي، ستنطلق جولات المصالحة في القاهرة غداً، ومن المقرر أن يترأس وفد «حماس» نائب رئيس المكتب السياسي المنتخب حديثاً، صالح العاروري، فيما يترأس وفد «فتح» عزام الأحمد، على أن تكون «المبادرة السويسرية» الخاصة بملف موظفي حكومة غزة السابقة أبرز قضايا النقاش.
من جهة أخرى، خفت نجم القائد المفصول من «فتح» محمد دحلان عن المشهد السياسي بعدما كان حضوره وقيادات تياره كثيفاً في الشهور الماضية، في ظل تفاهماته الأخيرة مع «حماس»، مكتفياً بتصريح نسب فيه جهد المصالحة والرعاية المصرية لها إلى «بذرة» تفاهماته مع «حماس»، مضيفاً في ما يخصه أن «الكرة في ملعب عباس... ووقتما يريد فنحن جاهزون». وعملياً، تمثل القاهرة بالنسبة إليه الضامن الأساسي لدور مقبل له، لكن ضمن إطار الانتخابات في حال عقدها، إذ ستظهر الأخيرة النتائج الفعلية لحجمه داخل تنظيمه المفصول منه، أو المجتمع الفلسطيني عموماً. مع ذلك، ستكون محادثات الغد وما بعدها محطّ نظر وانتظار بالنسبة إلى دحلان كما معظم الأطراف السياسية، لأنها سترسم صورة المشهد المقبل. فهل سيغيب «أبو فادي» ويبقى إلى مرحلة «ما بعد عباس» كما كان يراهن، أم سيعود بصورة رسمية؟ تجيب مصادر فتحاوية قريبة من السلطة بأن «دور دحلان انتهى، وما تنشره الصحافة الإسرائيلية وأنصاره لا صحة له، وتم تضخيمه أكثر من حجمه الحقيقي». لكن يحيى شامية، وهو نائب في المجلس التشريعي (البرلمان) عن كتلة «التيار الإصلاحي» التابعة لدحلان، قال إن الأخير «هو من أسهم في تواصل حماس وفتح الذي أدى إلى المصالحة برعاية مصرية».
في غضون ذلك، يراهن تيار دحلان على مصر في فرض المصالحة الفتحاوية الداخلية على عباس، كما الحال في المصالحة بين «فتح» و«حماس». ويقول عضو لجنة المصالحة، أبو سليم أبو دقة، إن «دحلان جزء من الشعب الفلسطيني ومن فتح التي تعرضت لانشقاقات طوال تاريخها... دعم دحلان للجنتَي التكافل الاجتماعي والمصالحة الاجتماعية بالأموال الإماراتية كان تمهيداً للمصالحة التي تمت بدخول حكومة الوفاق الوطني إلى غزة». واستدرك أبو دقة: «في حال لم تتم مصالحة داخلية في فتح، فسيطرح دحلان نفسه بكتلة مستقلة عن الحركة».

المصدر: هاني إبراهيم - الأخبار