لأول مرة، سيتسمّر العالم أمام الشاشات لمشاهدة أحد أهم الخطابات التي يلقيها دونالد ترامب. قريباً، سيعلن هذا الأخير قراره بشأن التزام بلاده بالاتفاق النووي مع إيران. وفيما تفيد التسريبات بأنه سيرفض التصديق عليه، هذه المرة، إلا أن ذلك لا يعني خروج بلاده، نهائياً وبهذه السهولة، من الاتفاق التاريخي
ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشحذ سكّينه، للبدء بتنفيذ إحدى أحب المهمات إلى قلبه. خلال الأيام القليلة المقبلة (15 تشرين الأول)، سيلقي على مسامع الجميع خطاباً ربّما يكون الأكثر إثارة بين خطاباته، التي قلّما نالت اهتماماً منذ توليه منصبه. سيتلو حكمه على الاتفاق النووي، وقد يؤشر بذلك إلى نوع جديد من السياسة الأميركية الخارجية، وخصوصاً أن خطوته المرتقبة دفعت، بالفعل، مختلف الأطراف الموقعة على الاتفاق، إن كانوا حلفاء أو أعداء، إلى دقّ ناقوس الخطر.
وفيما لا يزال هناك من يعوّل على أن يكتنف عقله نوع من الحكمة، التي يمكن أن تردعه عن تحقيق رغبته التي تمتد إلى ما قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، يتحدث آخرون ممن هم على دراية بما يجول في ذهنه، عن إصراره على إيقاف العمل بهذا الاتفاق.
لذا، يبقى وصف ترامب للاتفاق بأنه «الأسوأ على الإطلاق»، و«مصدر إحراج للولايات المتحدة»، ووعده بتمزيقه، الكلمات المفتاح لأي مقاربة أميركية حالية لهذا الملف. ولكن هل سيتمكن من تحقيق وعده بسهولة؟
تشير كل الدلائل إلى أنه إذا قررت الولايات المتحدة الخروج من الاتفاق النووي، فهي ستفعل ذلك وحدها. وتذهب معظم التحليلات إلى خلاصة منطقية تتمثل في عدم نية الإدارة الأميركية أن تكون الوحيدة التي تخاطر، في هذا المجال، على الرغم من الإلحاح الذي يظهره ترامب، والذي يناقض الواقع والمنطق.
بداية، من المتوقع أن يرفض الرئيس التصديق على الاتفاق، في 15 الشهر الحالي، على أن يحوّله إلى الكونغرس، الذي سيكون أمامه 60 يوماً كي يطرح تشريعاً يمكن من خلاله أن «يعيد» العقوبات النووية على إيران. خطوة لن تعدّ انتهاكاً مباشراً للاتفاق، إلى حين خروج الكونغرس بقراره، وهو أمر دونه عقبات كثيرة، حتى ولو أُخذت في الحسبان سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ.
كل ما يحتاج إليه الرئيس الأميركي هو تصويت بسيط بالأغلبية، ما يعني أن الجمهوريين (الذين يشغلون 52 مقعداً من 100 مقعد في مجلس الشيوخ) يمكنهم وحدهم تحديد مصير الاتفاق. ولكن يبدو أنهم لا يملكون الدعم الذي يحتاجون إليه. وبحسب ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، فقد أكد زعيم الغالبية ميتش ماكونيل أنه لا يريد إضافة مسائل مثيرة للجدل على الأجندة التشريعية، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات النصفية.
حتى إن عدداً كبيراً من الداعمين لعدم التصديق على الاتفاق لا يظنون بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة فرض العقوبات، ومنهم السيناتورات الجمهوريون جيف فليك وجون ماكين وسوزان كولينز، الذين أعلنوا أنهم غير متأكدين من تصويتهم على العقوبات، في حين صرّح كل من السيناتور راند بول، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إيدوارد رويس بأنهما لا يظنان بأنه يجب على ترامب الانسحاب من الاتفاق.
علاوة على هؤلاء، أكد أحد أبرز الصقور الجمهوريين المعارضين لإيران، أي السيناتور توم كوتون، أنه على الرغم من دعوته إلى القيام بعمل قوي ضد طهران، إلا أنه لن يدفع قيادة مجلس الشيوخ إلى القيام بالخطوة الأولى في اتجاه إلغاء الاتفاق النووي. كوتون، وغيره من المعارضين للاتفاق النووي، يعتقدون بأن إدارة ترامب يمكنها استخدام مناوراتها لإقناع الحلفاء الأوروبيين بالانضمام إلى الولايات المتحدة في الدعوة إلى اتفاق أقوى مع إيران. وهو في هذا المجال، أشار في خطاب أمام مجلس العلاقات الخارجية، الأسبوع الماضي، إلى مشروع قرار قد يلغي بنود السنوات الأخيرة من الاتفاق، أي رفع القيود نهائياً عن بعض النشاطات النووية الإيرانية، في عام 2025، مشيراً إلى وجوب إجراء تفتيش أقسى للمنشآت الإيرانية، وإضافة قيود جديدة على البرنامج الصاروخي.
وفيما من المتوقع أن يبقى الاتفاق على ما هو عليه، يتحدّث كثيرون عن أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إقناع الكونغرس بوضع تشريع جديد، أو تعديل للقانون السابق، يتضمن عدم إجبار ترامب على التصديق على اتفاق يكرهه، بشكل منتظم. وقد أشار كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي اتش آر ماكماستر، إلى هذا التعديل، على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، موضحين أنه قد يتضمّن تمديد فترة التصديق إلى أكثر من 90 يوماً.
في غضون ذلك، يبقى الديموقراطيون معارضين، بشكل جماعي، لعقوبات نووية جديدة على إيران. أما هذه الأخيرة، التي من المؤكد أنها لن تقبل بأي من الاقتراحات المذكورة أعلاه، فتتسلّح بالدعم الأوروبي للاتفاق.
ولكن، إلى أي مدى يمكنها أن تعتمد عليه؟
الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق، أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، كانت تضغط على الإدارة الأميركية والكونغرس بهدف الحفاظ على الاتفاق. وهي مثل إيران، تقول إن الاتفاق صلب ولا يمكن تغييره، حتى إن سفراءها جالوا في أروقة الكونغرس لإقناع أعضائه بأهميته. ومن هذا المنطلق، يؤكد سفير الاتحاد الأوروبي لدى واشنطن ديفيد سوليفان، في مقابلة مع صحيفة «ذي أتلانتك» أن «رفض الرئيس الأميركي التصديق على الاتفاق، سيكون له تأثير على إجراءات الولايات المتحدة المتعلقة به، وليس على الاتفاق بحد ذاته». ويضيف أن «الاتحاد الأوروبي، وأعضاءه الـ 28، ملتزمون بشكل كامل بالاتفاق، وذلك طالما أن إيران تلتزم بما يتوجّب عليها».
بالرغم ممّا تقدم، تشير صحيفة «فايننشل تايمز» البريطانية، إلى أن الأوروبيين قد يحاولون مساعدة ترامب، ويسعون إلى تشديد القيود ضمن الاتفاق الحالي، وربما يدفعون باتجاه إجراء مفاوضات نووية خارج الاتفاق. بريطانيا تحدثت عن أساليب تسمح بتطبيق الاتفاق بالاعتماد على نهج أكثر قساوة، بينما اقترحت فرنسا البدء بمفاوضات تابعة للاتفاق، في عام 2025، أي عندما يحين تطبيق آخر بنوده، وبالتالي إحلال إيران من بقية القيود.
أما الاحتمال الآخر الأكثر قرباً للواقع، حالياً، فيمكن رسمه بناءً على نظرية أن الأوروبيين قد يترددون في الإقدام على أي خطوة، ذلك أنهم أعلنوا عن تحرّك وجهود للحفاظ على تجارتهم في إيران، في حال قيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوبات يمكن أن تؤثر عليهم. وأكدوا أنهم سيتابعون العمل بالاتفاق مع موسكو وبكين وطهران، في حال انسحاب واشنطن.
وبالفعل، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لحماية أعماله من أي خطوة أميركية، ذلك أن مسؤوليه يدرسون إجراءات استُخدمت في عام 1990 من أجل تحصين الشركات والأفراد من العقوبات الأميركية. «ليس لديّ شك بأنه إذا أصبح هذا السيناريو واقعاً، فإن الاتحاد الأوروبي سيتحرك لحماية المصالح الشرعية لشركاته»، قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى واشنطن ديفيد سوليفان.
أما ما يحضر في ذهن هؤلاء، فهو أن العقوبات الأميركية قد تجعل من السهل بالنسبة إلى شركاتهم التنافس في إيران. «عدم تصديق الولايات المتحدة لن ينهي الاتفاق بالضرورة، فقط، الولايات المتحدة لن تكون جزءاً منه فقط»، يقول روبرت ليتواك، عضو مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون والخبير في الأمن الدولي في معهد «وودوورد ويلسون» لشبكة «سي ان اس بي سي». ويضيف أن «الأوروبيين لن يعودوا إلى العقوبات بهذه السرعة»، موضحاً أنه «إذا كان ذلك يعني أن تتمكن إيرباص من دحر بوينغ، فهم سيكونون مسرورين بذلك».
مع ذلك، لن يعدم الرئيس الأميركي وسيلة، وسيواصل طرق الأبواب، انطلاقاً من الكونغرس وصولاً إلى الأمم المتحدة. وفيما من غير المتوقع أن ينال الأجوبة التي يريد، يبقى من المؤكد أن خطوته، مهما كانت، ستؤتي مزيداً من الفوضى في العلاقة مع إيران، ومع حلفائه الأوروبيين.
وبما أن عدداً من مستشاريه، بمن فيهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جايمس ماتيس وغيرهما، يدعمون الإبقاء على الاتفاق، فقد نصحوه بالتصديق عليه، طالما أن المراجعة السياسية تجاه إيران لا تزال سارية.
من هنا، تنقل صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية قوله إن ترامب لم يتخذ قراراً نهائياً بشأن ما إذا كان سيصدّق على التزام إيران بالاتفاق النووي، لكنه قرّر اتباع استراتيجية لمواجهة برنامج إيران الصاروخي، والحرس الثوري.