بدا من الواضح، خلال اليومين الماضيين، أن عدم تصديق دونالد ترامب على الاتفاق النووي، أوجد نوعاً من المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين أبدوا شجبهم لموقفه. وفيما تعالت صيحات الاستهجان والشجب في هذا الإطار، حاول مسؤولون أميركيون التقليل من أهمية خطوة ترامب، على اعتبار أنه لا يريد الانسحاب من الاتفاق، في وقت هدّدت فيه طهران بالانسحاب منه إذا تأكدت من أن الإجراءات التي تتخذها «الأطراف الأخرى» لا تكفي لرفع العقوبات
سعى المسؤولون الأميركيون إلى ترطيب الأجواء بعدما رمى الرئيس دونالد ترامب قنبلته المتعلّقة باستراتيجيته الجديدة تجاه إيران، والتي تضمّنت عدم التصديق على الاتفاق النووي وتحويله إلى الكونغرس، إضافة إلى التلويح بفرض المزيد من العقوبات على الحرس الثوري والبرنامج البالستي الإيراني. وفيما ارتفعت حدّة انتقادات حلفائه الأوروبيين لكيفية مقاربته للاتفاق النووي، سعى كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون، والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي إلى التقليل من تداعيات خطوته، من دون أن يخرجا عن الإطار العام الذي رسمه.
وعلى الرغم من أن تيلرسون دافع عن استراتيجية رئيسه إزاء إيران، وعدم مصادقته على الاتفاق النووي، إلا أنه أشار في حديث مع شبكة «سي إن إن»، إلى أنه يتفق مع وزير الدفاع جيمس ماتيس بشأن ضرورة عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، موضحاً أن هذا الاعتقاد موجود لدى الرئيس الأميركي، أيضاً، وأنه لهذا السبب لم يعلن انسحابه من الاتفاق. وشدد تيلرسون على أن إدارة ترامب تريد أن يُطبق الاتفاق بصرامة، وبالتوازي مع معالجة «عيوبه»، مثل غياب تفاهم بشأن الصواريخ البالستية، وذلك من خلال التوصل مع الأطراف الموقعة عليه إلى اتفاقية ثانوية أو فرعية.
بدورها، صرّحت هيلي بأن واشنطن تتوقّع الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، مضيفة أن إدارة ترامب تريد التوصل إلى رد «متناسب» مع تصرفات طهران على المسرح العالمي.
كلام المسؤولين الأميركيين جاء في وقت تعالت فيه حدّة الردود الإيرانية والأوروبية على خطاب ترامب. وقد هدّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمراجعة إيران خياراتها، ومن بينها الانسحاب من الاتفاق النووي، إذا رأت أنه لا يحافظ على مصالحها، وتأكدت من أن الإجراءات التي تتخذها «الأطراف الأخرى» لا تكفي لرفع العقوبات. وقال، في لقاء تلفزيوني، إن ترامب وإدارته «ليسا في وضع يسمح لهما بالتصديق أو الشهادة على التزام إيران بالاتفاق النووي، وفق بنود الاتفاق». وفيما لفت إلى أن «البرنامج النووي لبلاده سيكون في وضع أفضل إذا انسحبت إيران من الاتفاق»، أشار إلى أن «هذا أحد خياراتها».
وكان ظريف قد انتقد خطاب ترامب. وقال، في تغريدة على موقع «تويتر» إن الجميع يعرفون أن «صداقة ترامب قابلة للبيع لمن يعرض أعلى سعر، والآن نعرف أن جغرافيته هي كذلك أيضاً»، في إشارة إلى التحالف الأميركي مع السعودية. وأكد وزير الخارجية الإيراني أنه «لا عجب في أن يكون أنصار خطاب ترامب هم السعودية والإمارات والبحرين، وأن يصف هذه الدول بقلاع الديموقراطية في المنطقة». وفي ردّ على تهديدات ترامب بمعاقبة الحرس الثوري، كتب وزير الخارجية الإيراني، في تغريدة أخرى، أن «الإيرانيين ــ بنين وبنات، رجالاً ونساء ــ كلهم حرس ثوري، يقفون مع الذين يدافعون عنا وعن المنطقة أمام المعتدين والإرهاب».
موقف ظريف جاء عشية إعلان وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشين، أمس، أنه يعتزم فرض عقوبات جديدة على الحرس الثوري. وفي مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، قال منوتشين، إنه بحث الخطط الأميركية بهذا الشأن مع نظرائه في العالم، خلال أحدث اجتماعات للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
وسط كل هذه المواقف، أبدى رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني تعويل بلاده على الاتصالات مع موسكو. وفي حديث إلى وكالة «تاس» الروسية، على هامش مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي المنعقد حالياً في مدينة سان بطرسبورغ، قال لاريجاني إن «الحوار (مع روسيا) قد يكون مفيداً جداً»، آملاً أن «هذا الموضوع سيبحث خلال لقاءات (ثنائية) مقبلة بيننا».
أوروبياً، تمسكت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بالاتفاق النووي الإيراني، وأعربت في بيان مشترك عن قلقها من «التبعات المحتملة لموقف ترامب الذي يصب باتجاه عدم المصادقة على الاتفاق النووي». كذلك، أكد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، بشكل منفصل، أنه «إذا ألغت واشنطن الاتفاق النووي، أو فرضت عقوبات جديدة على طهران، فإن ذلك قد يزيد من خطر الحرب قرب أوروبا». وقال في حوار أجرته معه إذاعة «دوتشلاند فونك»، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعث «إشارة صعبة وخطيرة» عندما كانت الولايات المتحدة تتعامل، أيضاً، مع أزمة كوريا الشمالية النووية.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قد دعا الكونغرس، أول من أمس، إلى الحفاظ على الاتفاق النووي، ذلك أنه «يتحمّل مسؤولية انهياره»، مؤكداً استعداد بلاده لإجراء «مناقشات صعبة» مع طهران بشأن مواضيع أخرى، مثل برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي.
في غضون ذلك، تناولت صحف أميركية العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا. وأشارت «واشنطن بوست»، في تقرير لها، إلى أن «التباعد بين الجانبين بدأ يتزايد، إذ يرى ترمب أن الحلفاء الأوروبيين استغلاليون ولا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية، ويجب تذكيرهم بقوة الولايات المتحدة»، مضيفة أن «الأوروبيين يعتبرون ترامب قوة فوضوية ويجب كبحه، في وقت يقوم فيه بتبديد هيبة القيادة الأميركية».
من جهته، كتب أليكس فاتانكا في مجلة «فورين بوليسي» أن «أوروبا تملك كل النفوذ» حالياً في ما يتعلق بالتعامل مع إيران. وقال: «إذا كانت تهديدات ترامب هي أسلوبه للحصول على المزيد من التنازلات، فسيعرف قريباً أن كل شرطي سيئ بحاجة إلى شرطي جيّد».
أما جون غلايزر، فقد رأى في مجلة «ذي ناشيونال انترست» أن «القضاء على الاتفاق النووي يترك أميركا أقل نفوذاً ممّا كانت عليه عندما كانت تفاوض بشأنه، لأن المجتمع الدولي لم يعد إلى جانبها»، مؤكداً أن «قرار ترامب عدم التصديق على الاتفاق النووي مع إيران متهوّر وخطير».