يترك عصام زهر الدين بصمة في أيّ مكان تطأه قدماه. رجل مسكون بالحركة والمبادرة. يتنقّل بين الخنادق على المحاور بسلاسة تمرير إبهامه على خريطة عسكرية. يتكلّم مع عناصره فرداً فرداً. يجلس بينهم، يسألهم عن عائلاتهم، ويمدّهم بالمعنويات بِطاقته المذهلة.
لم يكن قائد «اللواء 104» في الحرس الجمهوري ضابطاً عادياً. مدينة دير الزور الواقعة تحت حصار قاتِل تنفّست من رئتيه. اسمه في الأحياء البائسة والمظلمة بدا كأنّه كافٍ لينير بعضاً من أمل الصمود والحياة. يقود «أبو يعرب» سيارته بين الناس.
زجاج مفتوح ورأس يتدلّى منه ليتلقط ما استطاع من أيادٍ ووجوه لرمي السلام عليها. رغم خسارته لصديقه ورفيق دربه العميد علي خزام، تصرّف القائد في «الحرس» كأنّه سيعيش أبداً... العيش هنا هو تحقيق مهمته العسكرية.
«المنطقة كلها لو بدها تسقط كان سقطت زمان... داعش بعبع، بالتكبير احتلوا نصف المنطقة»، قال لـ«الأخبار» يوم كان الحصار على أشدّه، حيث تصل المساعدات جواً حسب تقويم قذائف «داعش» وهجماته. جَبَل دير الزور بِطينته وطِباعه. في مئات الأمتار المربعة الأخيرة، تحرّك ورفاقه كأنّه في ساحة حرب ضخمة: «كل نقطة تستطيع أن تكون خندقاً أو مربضاً أو مكمناً». حفظ الجبهة كمنزل بناه بيَديه. من بابا عمرو إلى دير الزور مروراً بدمشق وغوطتها... عَبَر الجبهات نصراً تلوَ نصر.
صاحب الـ56 عاماً تسلّم قيادة «اللواء» في الخامس من تموز 2012، يوم انشق العميد مناف طلاس. ابن «الصورة»، في محافظة السويداء، كان حادّاً في تعابيره. يطلق سِهام نقدِه دون تراجع. يوم استرجاع الجيش بمؤازرة الحرس الجمهوري أحياءً في مدينة الحسكة من قبضة «داعش»، دخلت «الوحدات الكردية» وبسطت سيطرتها عليها. «الإهمال من المسؤولين هو سبب التراخي في الحسكة»، قال على نحو واضح.
في الدير أيضاً، حيث شبح المجاعة يحوم فوق رأس عشرات الآلاف من المدنيين، لم يتوانَ عن التعبير عن غضبه واتهام المهرّبين من «اللجان الشعبية» الذين أسهموا في احتكار المواد الغذائية ورفع أسعارها في المدينة. أراد فضحهم في الإعلام وأسهم في ذلك.
فُكّ الطوق عن المدينة الشهر الماضي. حِمل ثقيل أُزيح عن كاهله. سريعاً، تهاوى «داعش» في أرياف دير الزور، بينما كانت المدينة أمس تقترب من إعلانها محرّرة بالكامل. لغم أرضي في حويجة صكر خَطف «العميد»، لينعيه برتبة «لواء». استشهد عصام زهر الدين في يوم «غير محسوب»، وهو الذي اعتاد النداء على «الجهاز» قبيل الانطلاق للتصدي لهجمات «داعش»: «إلى كافة الجبهات قتال حتى الشهادة».
حقّق زهر الدين جزءاً يسيراً من مقولة الجندي الشهيد يحيى الشغري... «مَحاها».