ثلاث عواصم عربية زارها حيدر العبادي على مدى اليومين الماضيين. فبعد إطلاقه من بغداد «مشروع ورؤية العراق لمستقبل المنطقة»، بدأ بترويج مشروعه السياسي، الذي سيكون منهج عمله في «الولاية الثانية»، مع ارتفاع حظوظه في نيلها. خطوة العبادي تؤكّد أنه يحاول التمسّك بخيار «الاعتدال» و«الوسطية»، منفتحاً على جواره العربي، ومتفاعلاً في الوقت عينه مع إيران التي تدرك أن الترحيب السعودي بحاكم بغداد ليس إلا محاولةً لتقويض دورها في بلاد الرافدين، وبمباركة ودعم أميركيين

على مدى اليومين الماضيين، حطّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في ثلاث عواصم عربية، في زيارات وصفت بـ«الخاطفة»، مسوّقاً رؤيته لـ«عراق ما بعد داعش». أولى محطّات الزيارة الإقليمية كانت السعودية، تبعتها مصر، فالأردن، على أن تكون وجهته التالية ــ في الأيام القليلة ــ كُلّاً من تركيا فإيران، والتي وصفها مستشار مرشد الثورة الإيرانية للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، بـ«المصيرية».

العبادي، وقبيل سفره، أعلن في كلمةٍ متلفزةٍ عن «مشروع ورؤية عراقية لمستقبل المنطقة»، والتي تقوم على «أساس التنمية وبسط الأمن بدل الخلافات والحروب». وترتكز رؤية العبادي على خمسة بنود، وهي:
- أولاً: إطفاء النزاعات المدمّرة وحقن الدماء، ووقف سياسات التدخل لإذكاء الصراعات، بالتوازي مع العمل بشكل مشترك لبناء مصالحنا واقتصاداتنا بشكل تكاملي، دون معزل بعضنا عن بعض.
- ثانياً: تأسيس علاقات دائمة، وعميقة، وراسخة بين شعوبنا، وأن لا نقصرها على العلاقة بين الحكومات، نظراً إلى أن العلاقة بين الشعوب تضمن استقرار العلاقات أمام التحولات السياسية.
- ثالثاً: إعطاء الشباب أملاً كبيراً، من خلال برامج توفّر فرص عمل...
- رابعاً: الاتفاق على برنامج تنمية شاملة، إضافةً إلى مشاريع التنمية على المستويات الوطنية.
- خامساً: استثمار دول المنطقة لمواردها بالشكل الأمثل، كي يكون لدول المنطقة صوت مسموع ومؤثّر في صناعة القرار على كل المستويات.

وتفسّر بعض القوى السياسية العراقية «رؤية العبادي» بأنها مسودة مشروعه السياسي للمرحلة المقبلة، أي بعد القضاء عسكرياً على «داعش»، والشروع في الإعداد للعملية الانتخابية المرتقبة في أيّار المقبل، والتي يُتوقّع منها إعادة تكليف العبادي رئيساً للوزراء لولاية ثانية. ووفق بعض المقرّبين من العبادي، فإن مشروعه ليس إلا «بدايةً لعراق جديد يصدّر رؤاه التنموية، والاقتصادية، والسياسية لمنطقة مستقرة جاذبة للاستثمار، والتنمية البشرية»، معتمداً على «البدائل الحقيقية للصراعات وتصدير الأزمات، والتي ما إن تستقر حتى تعود إلى البلد المصدّر لها». وتشير مصادر العبادي إلى أن الرجل «سيعتمد في رؤيته على تثبيت المصالح المشتركة والرؤية المشتركة بين أصدقاء».
وتأمل المصادر الحكومية أن يتمكّن العبادي من طرح مشروعه المرتكز على «العدالة وتساوي الفرص في البلد الواحد، قبل أن تكون في المنطقة»، معتبرةً أن «هذا المشروع قد ينقل العراق والمنطقة إلى مرحلة جديدة من التعايش المشترك، أساسها مصالح مشتركة، مستفيدين من قرابة عقد من الزمان من هجوم الإرهاب عليها».

مجلس «تنسيقي» بمباركةٍ أميركية

وفي أولى محطاته، التقى العبادي بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ليعود ويستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث بحثا «الإسراع بتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، والتأكيد على دعم المملكة لوحدة العراق»، إضافةً إلى «التطلع للمزيد من التنسيق المشترك بين البلدين». وحضر العبادي، أمس، إلى جانب الملك السعودي، حفل التوقيع على «المجلس التنسيقي السعودي ــ العراقي»، وإطلاق أولى جلساته برعاية وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون.
وأعرب ابن عبد العزيز عن أمله بـ«معالجة الخلافات داخل البيت العراقي من خلال الحوار، وفي إطار الدستور»، مؤكّداً «دعم بلاده وتأييدها لوحدة العراق». وأضاف في كلمته أن «ما يربط السعودية بالعراق أواصر الأخوّة والدم والتاريخ والمصير الواحد»، داعياً إلى «التنسيق لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، والمتمثلة في التطرف، والإرهاب، ومحاولات زعزعة الأمن والاستقرار».
أما العبادي، فعبّر في كلمته عن «ارتياحنا البالغ لتطور العلاقات بين بلدينا، والمجلس التنسيقي هو ثمرة الجهود، والنوايا الطيبة المشتركة»، معتبراً أن «المجلس سيكون منعطفاً مهماً، ومنطلقاً للتعاون وتعزيز العلاقات الثنائية».
ويهدف المجلس إلى رفع مستوى العلاقات الاستراتيجية، والاستثمارية، والثقافية بين البلدين، ويرأسه من الجانب العراقي سليمان الجميلي، وماجد القصيبي من الجانب السعودي. وقد حظي بـ«مباركةٍ» أميركية وفق تيلرسون الذي رأى أن «إقامته (المجلس)، وكذلك إعادة العلاقات بين العراق والسعودية إلى مستواها الطبيعي، أمرٌ بالغ الأهمية، وصفحة جديدة لمستقبل الدولتين والمنطقة».
وكانت أولى نتائج الاجتماع افتتاح قنصلية سعودية في العراق، وهو أمرٌ يربطه البعض بـ«الانفتاح» السعودي على العراق، بهدف تقويض النفوذ الإيراني، خاصّةً أن الحدث جرى بمباركةٍ وحضورٍ أميركيين، في رسالةٍ فهمها مؤيّدو طهران في بغداد على أن العبادي «لا يزال بعيداً عن إيران»، في حين أن مصادر متابعة تفيد بأن دوائر القرار في الجمهورية الإسلامية باتت مقتنعة بدور العبادي «الوسطي» وضرورة ممارسته في المرحلة الحالية، إلى أن يخرج العراق من أزمته الحالية تحضيراً للانتخابات المقبلة.
وتوجّه العبادي بعدها إلى القاهرة، حيث كان في استقباله رئيس الوزراء شريف إسماعيل. وبحث الطرفان «تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، ومحاربة الإرهاب، والأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة». عقب ذلك، حلّ العبادي ضيفاً على الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث عرضا «العلاقات الثنائية، والأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، ومحاربة الإرهاب والتعاون في مكافحته، ورؤية العبادي»، وفق بيان صادر عن مكتب الأخير. وختم العبادي جولته أمس في العاصمة الأردنية عمّان، حيث التقى الملك الأردني عبدالله الثاني، وجرى خلال اللقاء بحث «تعزيز التعاون الثنائي، والحرب على داعش»، إضافةً إلى «الأوضاع في المنطقة، ورؤية العراق لمستقبلها».

المصدر: الأخبار