يخشى العلماء أن تكون البشرية قد فقدت تماما السيطرة على عقارب الساعة البيئية لكوكب الأرض، وذلك بعدما تبين أن خفض انبعاثات الغازات السامة إلى الغلاف الجوي للأرض لا يمكن أن يسهم في تخفيض معدلات ثاني أوكسيد الكربون في الجو في المستقبل القريب. فقد بلغت المعدلات المسجلة العام الماضي رقماً قياسياً لم يشهد الوجود مثيلاً له منذ أكثر من 3 ملايين عام.
وأمس دقت منظمة الأمم المتحدة ناقوس الخطر محذرةً من لأن عدم تطبيق الحكومات الاتفاق الدولي الذي وُقّع في مؤتمر باريس المناخي أواخر العام 2015 سيؤدي إلى سلسلة كوارث طبيعية قد تدمر الحضارة الإنسانية. فقد أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (دبليو أم أو) أمس أن «تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض وصلت في عام 2016 إلى مستوى قياسي أي أعلى بنسبة 50 في المئة من متوسط السنوات العشر الماضية».
واستندت المنظمة في جمع نشرة معدلات الغازات الدفيئة التي أصدرتها أمس إلى قياسات أجريت في 51 بلداً تقوم بها محطات ومراكز أبحاث منتشرة حول العالم، ويتم التدقيق في القياسات على تركيزات غازات الاحترار بما في ذلك ثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروز.
ويقول العلماء وخبراء الأرصاد الجوية أن «مجموعة من الأنشطة البشرية وظاهرة النينيو الجوية دفعت ثاني أوكسيد الكربون إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ 800 ألف عام وربما 3 ملايين عام (إذ لا تاريخ محدد لنهاية العصر الجليدي الأخير). وشهد عام 2016 ارتفاع متوسط تركيزات ثاني أوكسيد الكربون إلى 403.3 جزء في المليون، مقارنة بـ400 جزء في المليون في عام 2015. وأكدوا»إنها أكبر زيادة شهدناها في السنوات الثلاثين الماضية». وأبدى العلماء مخاوفهم من المستقبل المجهول إذ يصعب التكهن بشكل الغضب الطبيعي القادم لا محالة. وشددوا على ضرورة الالتزام باتفاق باريس المناخي دون أي تلكؤ، مع التحول بشكل جدي وسريع عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، وحذروا أيضاً من الميثان وهو الغاز الآخر الذي لا يشهد أي انخفاض في معدلاته الموجودة في الغلاف الجوي بل على العكس يتضاعف، وخاصة في أعوام 2014، 2015، و2016.
ورغم أن ظاهرة النينيو هي ظاهرة مناخية تحدث بشكل دوري، إلا أن دورها في رفع حرارة الأرض يؤدي إلى حصول تصحر وجفاف، مما يعني أوتوماتيكياً يباس وتقليص المساحة الخضراء على اليابسة. وبالتالي فإن النباتات والأشجار التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الجو يتقلص عددها بسبب القحط مما يؤدي إلى تعاظم كثافة ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض.
والعامل الأهم المسبب للخلل في الميزان الطبيعي للأرض هو انبعاثات الغازات السامة من المصادر البشرية أي من المصانع ومحطات الطاقة ودخان السيارات والمركبات الأخرى. كما يتسبب البشر أيضاً من خلال الانفجار السكاني وتكاثر الولادات بضرر فادح للميزان الطبيعي من خلال قضم المزيد من المناطق الخضراء التي تمتص الغازات السامة لصالح بناء منازل ومبان للإسكان تنتج المزيد من التلوث والانبعاثات السامة. وأكد العلماء أنه على مدى السنوات الـ70 الماضية، بلغت الزيادة في معدلات ثاني أوكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي إلى ما يقرب من 100 مرة أعلى مما كانت عليه في نهاية العصر الجليدي الأخير. ووفق الدراسات الأخيرة فإن هذه الزيادة المتواصلة والمتسارعة في مستويات ثاني أوكسيد الكربون والغازات الأخرى في الغلاف الجوي للأرض تؤدي إلى تغييرات لا يمكن التنبؤ بها في نظام المناخ، مما يفضي إلى اضطرابات بيئية واقتصادية تزداد شدة وحدة مع مرور الوقت واستمرار البشر في نمط حياتهم الحالي على المنوال نفسه.