قبل أشهر قليلة فقط، أعلنت دمشق بوضوح أن أولويات معاركها الميدانية هي في الوصول إلى مدينة دير الزور، وبعدها نحو وادي الفرات حتى الحدود العراقية. اليوم، مع استعادة «عروس الفرات»، تبدو تلك الأهداف في متناول اليد، أكثر من أيّ وقت مضى

عادت مدينة دير الزور بالكامل إلى كنف الدولة السورية، بعد أشهر من المعارك التي رُسمت الطريق إليها عبر البادية. وهدأت النيران داخل المدينة، أمس، بعد سيطرة الجيش على كامل أحيائها وإنهاء وجود تنظيم «داعش» فيها. النهاية «السريعة» للتنظيم ضمن المدينة تحمل رمزية كبيرة لأبنائها، وللسوريين عامة.

فصمودها لسنوات تحت الهجمات والحصار كان الحجر الأساس في عودة نفوذ دمشق إلى المناطق الشرقية، ومنها نحو الحدود. ورغم خسارة الجيش ــ المرحلية ــ لمناطق مهمة من ريف المحافظة، لحساب قوات مدعومة أميركياً، يبقى للسيطرة على المدينة ثقل جوهري في «حكم الشرق السوري»، ومن الصعب على أحد تعويضه، ولو عبر اقتطاع مساحات كبيرة وحساسة من ريفها.
الإنجاز المهم، الذي بقي منتظراً لسنوات، سوف يفتح الطريق أيضاً نحو الحدود العراقية، وبقوة عسكرية كبيرة. فالقوات التي استعادت دير الزور، أصبحت متفرغة للمشاركة في جبهات مشتعلة جديدة. ومن المرتقب أن يتظهّر زخمها العسكري على جبهة البوكمال، في خط مواز لعمليات البادية التي وصلت منطقة متقدمة على مقربة من الحدود العراقية، شرق محطة «T2». ويلاقي التقدم على الجانب السوري مقابلاً من العراق، وذلك مع سيطرة القوات العراقية على قضاء القائم الحدودي بالكامل، بما فيه المعبر الحدودي باتجاه الأراضي السورية.
وبدا لافتاً بالتوازي مع أفول «داعش» في أحياء دير الزور تكثيف موسكو لغطائها الجوي والصاروخي ضد مواقع التنظيم في وادي الفرات. وهو يشير إلى رغبة روسية في حسم سريع للمعارك هناك، بما يعدّ تتويجاً لجهودها ضمن حملة «مكافحة الإرهاب»، ويساعدها على التركيز على ملف «التسوية السياسية» واتفاقات «تخفيف التصعيد»، خاصة أنها تُعِدّ لإطلاق «مسار محادثات جديد» في سوتشي، يضاف إلى مسارَي «أستانا» و«جنيف» القائمين، مع إدخالها القوى الكردية إلى قائمة المدعوين.

ومن المتوقع أن تقود تطورات دير الزور وريفها الشرقي، وصولاً إلى الحدود، إلى أسئلة جديدة حول مستقبل العلاقة بين الجيش و«قوات سوريا الديموقراطية» على أرض المحافظة وغيرها، في ضوء الوجود العسكري الأميركي الكبير هناك، سيما أن موسكو تلعب دوراً مهماً على هذا الخط.
الإعلان عن استعادة دير الزور جاء من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، التي اعتبرت أنه «يشكل المرحلة الأخيرة في القضاء النهائي على تنظيم داعش» في سوريا، مشددة على مكانة المدينة كمنطقة زراعية ونفطية، وكممر نحو العراق. وكانت القوات على الأرض قد انتهت من المعارك صباح أمس، بعدما سيطرت في وقت متأخر من ليل أمس على حي الحميدية، الذي كان يعدّ أحد أهم مناطق سيطرة التنظيم داخل المدينة. ومع انتشار خبر سيطرة الجيش السوري على المدينة، نقلت عدة مصادر معارضة أن مئات المدنيين وأعداداً من مسلحي «داعش» نزحوا من أحيائها نحو منطقة حويجة كاطع، في محاولة للعبور نحو الضفة الشمالية التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية».
وخلال ساعات قليلة من انتهاء العمليات داخل الأحياء، حرّك الجيش تعزيزات نحو جبهة جنوب الميادين، ضمن تحضيرات لتسريع حسم المعركة على طول وادي الفرات. وترافق نقل القوات مع ضربات صاروخية روسية، لليوم الثالث على التوالي، استهدفت مواقع التنظيم على طول الطريق نحو البوكمال. وشاركت في الاستهدافات 6 قاذفات استراتيجية من طراز «Tu 22»، وغواصة من سلاح البحرية قبالة الشواطئ السورية. وبالتوازي، أعلنت بغداد استعادة مدينة القائم في محافظة الأنبار بالكامل من سيطرة «داعش». وشاركت ضمن العمليات قوات مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» و«الحشد العشائري» و«قوات مكافحة الإرهاب». وأعلن قائد عمليات تحرير غرب الأنبار، عبد الأمير يار الله، في بيان، أنه تم «تحرير مركز قضاء القائم، والسيطرة على منفذ حصيبة الحدودي مع سوريا»، قرب المدينة، إلى جانب استعادة ناحية الكرابلة بالكامل، والضفة الجنوبية لجسر رمانة ومنطقة سعدة شرق الكرابلة، جنوب نهر الفرات.
وبعيداً عن المعارك على طرفي الحدود، تابع الجيش عملياته العسكرية المنسقة في ريف حماة الشمالي الشرقي، وفي ريف حلب الجنوبي. وسيطر على قرية الشاكوسية والمزارع المحيطة بها. وبالتوازي شهد محور قرية أبو دالي، في ريف حماة الشمالي الشرقي، اشتباكات عنيفة مع مسلحي «هيئة تحرير الشام»، في محاولة من الجيش للتقدم واستعادة ما خسره خلال الهجوم الأخير الذي نفذته «الهيئة».
وبينما تكثر التساؤلات حول مصير منطقة «تخفيف التصعيد» القائمة في إدلب، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التهديد بالتحرك ضد «الإرهابيين» في سوريا والعراق، ملمّحاً على الجانب السوري إلى منطقة عفرين. وبدا لافتاً، بالتوازي، أن المنطقة التي شهدت تعاوناً بين القوات التركية و«هيئة تحرير الشام» خلال دخول الوحدات التركية لإنشاء نقاط عسكرية قبالة عفرين في ريف حلب الجنوبي، احتضنت أمس ولادة «حكومة إنقاذ» جديدة. «الحكومة» الجديدة التي أعلنت من معبر باب الهوى الحدودي، شكلتها «الهيئة التأسيسية المنبثقة عن (المؤتمر العام) في إدلب»، وتضم 11 حقيبة وزارية. وتأتي هذه الخطوة كخطوة إضافية على مسار المبادرة التركية التي قضت بتشكيل «هيئة مدنية» في مدينة إدلب، وذلك بهدف «تجنيبها عملاً عسكرياً». ويرى العديد من المعارضين، داخل إدلب وخارجها، أن «حكومة الإنقاذ» التي شارك في إخراجها «مؤسّس الجيش الحر» رياض الأسعد، ما هي إلا واجهة لـ«هيئة تحرير الشام».

المصدر: الأخبار