لا ينفصل التصعيد الحالي الذي تنفذه السعودية تجاه «محور المقاومة»، بشأن الحرب على اليمن، عن إصرار المملكة على استمرار حربها بحجة منع ظهور «حزب الله» على حدودها الجنوبية، وفق قول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أواخر الشهر الماضي.

الصاروخ البالستي الذي أصاب مطار الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض يعني ارتقاء نوعياً واستراتيجياً للجيش و«اللجان الشعبية» اليمنية، ويؤكد أن ما استشرفه ابن سلمان بتخوفه من تحول «أنصار الله» إلى «نموذج حزب الله» فات أوانه. ولئن باتت صواريخ الحزب منذ عدوان 2006 على لبنان تقيد إسرائيل وتردعها من عدوان جديد عليه، فإن المفاعيل السياسية والمعنوية وحتى الدلالات العسكرية لصاروخ الرياض وما أعقبه من رد فعل سعودي هستيري كشفت حقيقة المأزق السياسي العميق والبالغ التعقيد للقيادة السعودية، وذلك في مقابل دخول اليمن من باب منظومته الصاروخية (كشف منذ يومين عن خط إنتاج بحري جديد اسمه «المندب») في معادلة الردع مقابل الطيران الحربي السعودي.
ولعل الدلالة العسكرية الأبرز لصاروخ الرياض بلوغه مسافة نحو ألف كلم متر وانفجاره في مطار الملك خالد، وهي المرة الأولى التي يعترف فيها نظام الأسرة الحاكمة بتعرض عاصمته لضربة يمنية. وسواء انفجر الصاروخ بفعل اعتراض الباتريوت له في المطار، كما تدعي الرياض، أو بهدفه كما أكد شهود عيان، فإن الهدف من إطلاقه قد تحقق.
والدلالة الأخرى هي أن تراكم القدرة وتطورها عند «حزب الله» جعلاه في ميزان الردع قبالة العدو الإسرائيلي. أما في حالة «أنصار الله»، فإنها بدأت تتجلى وهي في طور بناء القدرة التدميرية والاستمرار. ويرجح كثيراً أنها على بعد خطوة من أن تصبح في ميزان الردع (دقة ومدى) ليشمل الأهداف الحيوية المهمة في السعودية. هذا ما أشارت إليه تصريحات القيادة اليمنية ومواقفها. ولسوف يؤمن لها في المستقبل وضع معادلة الصواريخ اليمنية مقابل سلاح الطيران السعودي، فضلاً عن أن القوات اليمنية البرية تتفوق بالأصل على الجيش السعودي في العمليات العسكرية الدائرة على الحدود بين البلدين.
تجدر الإشارة إلى أن استهداف الرياض من الجيش و«اللجان الشعبية» يكشف عن إرادة صلبة وشجاعة وحكمة القيادة اليمنية، وكذلك عن حنكتها العسكرية والسياسية في اختيار توقيت مأزوم في الداخل السعودي، وهي ليلة «العفاريت المرعبة» كما سماها الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، في إشارة إلى اعتقال 11 أميراً وعشرات الوزراء. كما يؤكد القرار اليمني بإطلاق الصاروخ أن المسار المستقبلي في الشهور والسنوات المقبلة سيأخذ صوراً جديدة في الحرب يكون فيها العمق السعودي هدفاً مشروعاً قبالة الغارات الجوية على اليمن، وأن ولي العهد الذي شن الحرب بهدف استئصال «أنصار الله»، إذا بصواريخ هذه الحركة تقض مضجعه بعد آكثر من عامين ونصف عام من بداية الحرب، وهو يوشك الجلوس على كرسي العرش.

ردود الفعل السياسية والإعلامية السعودية الشرسة والعنيفة على «محور المقاومة» ولا سيما إيران و«حزب الله» جراء إطلاق الصاروخ ما هي إلّا محاولة للهرب إلى الأمام، وذلك للتعمية عن الصراخ الحقيقي من ألم الهزيمة الشديد الوقع أمام صمود الشعب اليمني. فنظام آل سعود الذي كان له اليد الطولى في إفقار اليمن بسبب سوء إدارة قيادته المرتهنة للجنة السعودية الخاصة بالملف اليمني، إذا به يخرج من الوصاية بوجهها القبيح والمذل ليقف بشموخ ويصنع معادلة بقائه وعزته، ويحجز له مكاناً متيناً وراسخاً في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.
وقد وزعت السعودية رد فعلها على أكثر من اتجاه بغية إصابة أكثر من هدف:
أولاً: أراد السعوديون ومن يدور في فلكهم التوظيف السياسي بحده الأقصى وبوضع أنفسهم في موقع المعتدى عليهم، لإعطاء التبرير والمشروعية لعدوانهم على اليمن.
ثانياًَ: جزء من الحملة السياسية والإعلامية والتحريضية على محور المقاومة جراء فشلهم المدوي والذريع في كل من سوريا والعراق ولبنان وما لحق بهم من انهيار مشروع حليفهم مسعود البرزاني بالاستقلال عن بغداد.
ثالثاً: حرمان الجيش و«اللجان الشعبية» النجاح وتحقيق الإنجازات بادعاء أن من أوصل الصواريخ وأطلقها هم خبراء من إيران والحزب.
رابعاً: التوظيف السياسي لعملية إطلاق الصاروخ لتبرير التصعيد تجاه لبنان، مع العلم بأن الحملة السعودية على «حزب الله» ليست وليدة اليوم، بل هي منذ سنوات طويلة ولم تتوقف منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 واستمرت بوتيرة متصاعدة منذ بداية الحرب على سوريا.
الاتهام السعودي لحركة «أنصار الله» اليمنية بوصفها «حزب الله» اللبناني يشرّف الحركة، التي من دون شك درست تجربته وأخذت منها ما يفيدها، كما يشرّف الحزب الذي يفتخر دائماً بوقوفه إلى جانب الشعوب المستضعفة والأحرار في العالم.

المصدر: لقمان عبدالله - الأخبار