لم تحقق السعودية كل ما أرادته من الاجتماع الوزاري العربي الذي دعت إليه قبل أيام. الساعات الخمس التي دارت خلالها المحادثات في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة، لم يخرج بأكثر من بيان مكرّر، جدّد إطلاق وصف «جماعة إرهابية» على حزب الله، وأعاد تسجيل المزيد من المواقف ضد إيران، مع التشديد على أن الحرب لن تُعلَن عليها...
«في الوقت الراهن».
ورغم عدم تعديل سقف التصعيد، قياساً إلى الاجتماعات الوزارية العربية السابقة، إلا أن موقف وزراء الخارجية العرب أمس أعلن بدء مرحلة جديدة من التصعيد السعودي ضد إيران والمقاومة، بما يتلاءم مع إعداد الأرضية لتسعير العدوان على الشعب اليمني من جهة، وتعكير التسوية التي ثبّتت الاستقرار في لبنان على مدى العام الفائت.
الاتفاق على البيان الختامي، الذي تحفّظ عليه كلّ من العراق ولبنان، لم يمر بسهولة، ما أثار امتعاضاً سعودياً من تلك «الموافقة الاضطرارية» التي بذلت الرياض ضغوطاً هائلة لانتزاعها، والتي أتت باهتة قياساً إلى الخطابين الناريين لوزير خارجيتها عادل الجبير، ونظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، اللذين قدّما في الجلسة الافتتاحية ما وصفاه بالملف الذي يثبت وقائع محاولات إيران زعزعة الاستقرار السعودي والبحريني وتزويد الحوثيين بصواريخ باليستية، بالإضافة إلى التخطيط للإضرار بالأمن القومي للبلدين.
عادل الجبير الذي حمل أجندة بدأ مناقشتها قبل أيام من الاجتماع، كان يهدف إلى تعليق عضوية لبنان في جامعة الدول العربية إلى حين إخراج حزب الله من الحكومة، أو على الأقل إدانة الحكومة اللبنانية بسبب «أعمال حزب الله الإرهابية». وقد نقلت مصادر مصرية عنه القول إن تعليق عضوية لبنان يمثل الحل الوحيد في الضغط السريع على حزب الله، والتعامل مع الحكومة اللبنانية باعتبارها مرفوضة عربياً، ما يستدعي، بنظره، إجبار الحزب على الابتعاد عنها، وهو ما رفضته القاهرة، وضغطت لعدم تمريره خلال الأيام الماضية، مطالبة بعدم إقصاء أيّ فصيل لبناني، ومحذرة من معاقبة الشعب اللبناني على اختيار من يمثله، بصرف النظر عن الموقف العربي منه. وقد أجرى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل سلسلة اتصالات أدّت إلى تحشيد الدول العربية لرفض مشروع إدانة الحكومة اللبنانية.
الرفض المصري للمقاربة السعودية، خلال المناقشات، تُرجم موافقة علنية في التصويت على البيان الختامي، ولكن بعد تراجع حدّته، خصوصاً أنّ القرارات العربية التي صدرت، في اجتماعات سابقة، لم تمس بالحكومة اللبنانية، حتى بتشكيلتها الحالية، وهذا كان الهم الشاغل للدبلوماسية المصرية في كل المناقشات، سواء تلك التي جرت بشكل منفرد، أو في لقاءات ثنائية، أو في الاجتماعات العامة.
وأبعد من الموقف المصري، فإنّ المناقشات التي جرت في الجلسة المغلقة لاجتماع وزراء الخارجية العرب اتّسمت بطابع عاصف، ما منع إذاعة الجلسة الختامية مباشرة عبر المحطات التلفزيونية، فتم الاكتفاء بمؤتمر صحافي للأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ووزير خارجية جيبوتي، الذي ترأست بلاده الاجتماع، ليعلن فيه أبو الغيط عدم استبعاده أن تكون الخطوة الثانية هي اللجوء إلى مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه لا توجد إشارة إلى ذلك في القرار، ولكن التطورات قد تجعل الجامعة تلجأ إلى خيار كهذا.
ورغم تحفّظ العراق ولبنان على بند تصنيف حزب الله كـ«جماعة إرهابية»، إلا أن أبو الغيط أكد أن هناك «إجماعاً عربياً على رفض النهج والتصرفات الإيرانية»، وأن «كل الدول العربية وافقت على القرار الوزاري العربي بإدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية»، بما في ذلك لبنان الذي «تحفّظ على القرارات التي تتعلق بحزب الله فقط».
من جهته، طالب وزير الخارجية المصري سامح شكري إيران بـ«احترام سيادة الدول العربية والامتناع عن التدخل في شؤونها، والسعي لإقامة علاقات جوار أساسها احترام سيادة الدول العربية...».
البيان الختامي للاجتماع الوزاري العربي تضمن تكليفاً للمجموعة العربية في نيويورك بمخاطبة رئيس مجلس الأمن لتوضيح ما سمّاه «الخروقات الإيرانية لقرار مجلس الأمن رقم 2231 في ما يتعلق بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية»، و«انتهاكات لقرار مجلس الأمن 2216 بتزويد الميليشيات الإرهابية في اليمن بالأسلحة». وأكد المجلس «حق السعودية في الدفاع الشرعي» عن أراضيها.
كذلك حمّل حزب الله مسؤولية «دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية» في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ الباليستية، والتأكيد على ضرورة «توقفه عن نشر التطرف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم تقديم أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي»، مجدداً التأكيد على «حظر القنوات الفضائية المموّلة من إيران، والتي تبثّ على الأقمار الصناعية العربية باعتبارها تشكل تهديداً للأمن القومي العربي».
الأوضاع في لبنان لم تكن تقتصر على الاجتماع الوزاري العربي؛ فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تلقّى اتصالاً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ناقش المستجدات اللبنانية مع وزير خارجيته سامح شكري قبل بدء الاجتماع، فيما جرى ترتيب موعد مساء الثلاثاء بين السيسي والحريري في القاهرة.