ما تبقى من اسئلة ينتمي إلى الماضي. انتهى زمن الاختباء خلف المواقف الملتبسة والجمل الدبلوماسية، إيران والسعودية وجها لوجه مباشرة، وليس بالواسطة.
لا يُخفى على المراقبين، أن إيران تتقدم من انجاز إلى آخر. حرب اميركا على العراق، فتح لإيران الطريق لتصبح الشريك الأقوى، كان العراق عدواً لإيران، باتت بعد ذلك وصياً خفياً على أكثر من نصفه، وقائدا لمجموعات تقاتل تحت أمرته.
لا يُخفى على المتابعين، أن إيران، منعت مع روسيا وحزب الله، سقوط نظام بشار الاسد في سوريا، كانت السعودية ومن معها، بانتظار احتلال دمشق. لم يحدث هذا السيناريو. حدث العكس. حققت إيران، ومعها “حزب الله”، انتصارات ميدانية مبرمة. التحالف الدولي، بقيادة اميركا، رديف ضعيف في الحرب على الارهاب إن صدق ذلك. فمعظم الإرهاب، المحلي والدولي، مستولد من السعودية، زمن تحالف ” القاعدة” واميركا والباكستان بتمويل سعودي. حالياً، تعاني السعودية في سوريا نكسة كبرى لسياساتها وخسارة “لحلفائها” والذين يدورون في فلكها النفطي.
في اليمن، معادلة عسكرية بكلفة بشرية مأساوية. “عاصفة الحزم” تُدمر وتقتل وتُهجر، ومع ذلك، فإنه لم يستسلم. من زمان، غلب اليمن جيوش جمال عبد الناصر. من زمان توحد ثم أنقسم. لليمن تاريخ يمني، هم الاصل العربي، منذ ما قبل سبأ. عجيب الا يسقط، وهو المُستفرد به، والمدعوم بالقطارة الايرانية فقط. يبدو، حسب ما نُمي الينا، أن الوطنية اليمنية متقدمة وعياً وممارسة على سواها. وعليه، فان قتاله يستنزف “التحالف الدولي”، ويؤذي، بنسبة ما، قائدته هذا التحالف في الرياض. كان من المفترض أن تنهي السعودي مهمتها في اسابيع. غرقت هناك. انها لم تربح وتحاول المستحيل كي لا تخسر. الانجاز الوحيد للسعودية هو في حماية النظام في البحرين من الاطاحة به.
كان متوقعاً ايضاً، أن تسجد قطر امام قدمي السعودية. لم تفعل. هذا الشريك الاساسي في الحرب على سوريا وفي ليبيا، طُرد من الجنة السعودية، فوجد نفسه قادراً على الاستمرار، وعلى اللعب مع الايراني، كفريق جانبي جديد، خارج الحلبات المشتعلة في سوريا وليبيا.
عملية حسابية بسيطة تبرهن أن السعودية لم تربح في سوريا، وخسرت في العراق وتخبطت في اليمن وبالمقارنة، فان إيران لم تصب بعد بشظية من شظايا الحروب التي تشارك فيها، إما عبر اذرعها، او بأذرعتها الايرانية البحتة. فيما السعودية تعاني من جبهة مفتوحة في جنوبها الغربي، ومن سمائها المفتوحة لعدد ضئيل جداً من الصواريخ “الحوثية” أو “الايرانية”.
انها مسائل تدعو إلى مراجعة خيارات السعودية، احتساباً لقاعدة الربح والخسارة. السعودية لم تفعل. مطمئنة هي إلى أن قوتها فوق العادة. هي ترسانة من السلاح، واضبارات من الاموال المليارية، ونفط سخي العائدات، إلى جانب حليف تم اصطياده بمليارات الدولارات، فبات سعودياً أكثر منه اميركيا. تشعر السعودية بفائض القوة هذه إلى جانب مناعتها الدولية، حيث لا يتجرأ نظام غربي واحد على انتقادها، واضطراره إلى تأليف المدائح لها.
السعودية ليست ضعيفة الا ميدانيا. وحربها مع إيران ميدانية، وهي هنا تخسر. ولذلك اسباب: المملكة تقيم علاقاتها مع انظمة وقادة، فيما إيران تربح شرائح واسعة من الشعوب، تفرد قادتها من النضال، وليس بقرارات سلطوية.
النهج الايراني شعبي، وان كان شيعياً. السعودية، ليست في هذا الوارد. لا قوى شعبية لها. لديها من يرتبط بها لنفع او لمصلحة وليس لقضية. إيران، لديها قضية فلسطين، فما هي قضية السعودية؟
لبنان، اثار غضب السعودية. لبنان الذي ضدها ولبنان الذي معها، اثار فيها حساسية متطرفة. بالمناسبة، لبنان، كان دائماً، وسيظل كذلك، لبنانين. ليس في لبنان، لبنان مفرد. انه بالمثنى، لبنان مع السعودية ولبنان آخر مع إيران. رفعت المملكة بيادقها. جمعت الجامعة العربية، ستتوجه إلى مجلس الامن، يقال عقدت تفاهمات مع “اسرائيل” لمحاربة “العدو المشترك” إيران. وهي تطلب من “لبنانها” السني، أن يحسم امره مع “لبنان” الشيعي. كائنا ما كانت العملية، وبأي كلفة.
تستطيع السعودية معاقبة لبنان مالياً واقتصادياً ودوليا. تستطيع أن تمنع تشكيل حكومة، أن تدخل لبنان في فراغ. تستطيع أن تحرك قلة بعلميات امنية… ولديها اسلحة أكثر من ذلك بكثير. ولكن لبنان الخائف اليوم من الغد، يستطيع أن يخيف أكثر.
لبنان ليس ضعيفاً البتة. المراهنون على السعودية في لبنان، عليهم أن يتعلموا ممن راهن على السعودية في سوريا والعراق واليمن، لبنان الخائف اليوم هو مخيف. ماضيه يشهد له. اسرائيل تشهد له. خصومه في لبنان كذلك. لبنان قوي جداً، ويكاد يستقوي على من هم اولياء الامير السياسي في المنطقة. فلا تجربوه ابداً.
إن غداً لناظره قريب.