علمت «الأخبار» من مصادر دبلوماسية أن فرنسا تسعى مع مصر لوساطة مع السعودية تُبقي الرئيس سعد الحريري في منصبه. وقالت المصادر إن اجتماعات مكثفة عُقدت مساء أمس في العاصمة القبرصية بين مسؤولين فرنسيين ومصريين يرافقون الرئيس عبد الفتاح السياسي إلى نيقوسيا للمشاركة في القمة المصرية القبرصية اليونانية.

وحسب المصادر، فإن الجانب الفرنسي يلحّ على بقاء الحريري في منصبه، وإنه يمكن إدخال تعديلات تعزز وضعه داخل الصيغة اللبنانية، وتبدي خشية كبيرة من حصول فراغ حكومي يؤثر بقوة في الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان.
وقالت المصادر إن السيسي الذي سيستقبل الحريري غداً في القاهرة، يدعم هذا التوجه، وإن مفاوضات تجري بين القاهرة والإمارات العربية المتحدة والسعودية لهذه الغاية، وإن القاهرة تعوّل على استثمار ما صدر أول من أمس عن مجلس وزراء الجامعة العربية لإقناع الجانب السعودي بأنه لا بديل من التسوية القائمة في لبنان، وأن اللبنانيين، كما العواصم العربية والدولية، أظهروا تمسكاً كبيراً ببقاء الحريري في منصبه.
وبانتظار ما ستؤول إليه المحادثات، لا يزال الالتباس مسيطراً على موقف الحريري، حيث ينقل المتصلون به وبفريقه في باريس، أنه متمسك ببقائه في السلطة، لكن هناك رأي يجزم بأنه مضطر لتثبيت الاستقالة ومحاولة فرض شروط جديدة لتشكيل حكومة جديدة. أما الرأي الآخر، فيقول إن الحريري الذي سيجتمع بالرئيس ميشال عون بعد احتفالات عيد الاستقلال، قد لا يخرج من الاجتماع بقرار نهائي، وبالتالي سيفتح الباب أمام محاولة معاجلة المشكلة. ويرى أصحاب الرأي الثاني أنه يمكن الاستفادة من المناخات التي ظهرت لأجل تعزيز شروط الحريري ضمن التسوية التي أُبرمت مع عون والحزب، وأن عون يقدر على ضمان توفير هذه الشروط.
ومن جهة بعبدا، بات واضحاً أن رئيس الجمهورية يبذل كل الجهود لإعادة إطلاق العملية السياسية والدستورية في البلاد، وأن يقود مفاوضات جدية بعيداً عن الإعلام لتوفير مناخ يبقي الحريري في منصبه. وتقول مصادر مواكبة إن الرئيس عون أبلغ الفرنسيين والحريري أن كل ما حصل حتى الآن يشير إلى أن التسوية السياسية لا تزال قائمة، وأنه (عون) يقدر على ضمان التزام لبنان سياسسة النأي بالنفس، وأن يحصل على موقف من حزب الله بهذا الخصوص.
وعُلم أن التواصل بين عون وحزب الله شمل هذه النقطة، وقد عبّرت قيادة الحزب عن انفتاحها على كل ما من شأنه احتضان الحريري وتسهيل بقائه في منصبه، والمساعدة على سحب الذرائع التي تستخدمها السعودية بهدف هزّ الاستقرار. ولفتت المصادر إلى أن خطاب السيد حسن نصرالله أمس، ونفيه رسمياً أي نشاط تسليحي للحزب في اليمن أو دول الخليج يخدم هذا الهدف.

لاءات حزب الله

بعيداً عن الإعلام، سمع «حزب الله» شكراً كبيراً على موقفه المساعد لإخراج الحريري من سجنه. لكن حزب الله سمع أيضاً أسئلة كثيرة عمّا يمكن القيام به لمعالجة جذر الأزمة التي تواجه الحريري ولبنان. كذلك وصلت إلى حزب الله نسخة عن المقترحات التي تخصّ المرحلة المقبلة، والعلاقة المباشرة مع الحريري.

وبحسب مصادر موثوقة، فإن الحزب كان على خط مفتوح مع الرئيس عون ومع جهات لبنانية وعربية ودولية خلال أزمة الحريري، وكان يطّلع أولاً بأول على كل تفصيل. وكان المطلوب منه في المرحلة الأولى المساعدة على تثبيت التهدئة، وهو ما اقتضى إطلالتين للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ساهمتا بقوة في تنفيس البالون السعودي، وأفسحتا في المجال أمام الجهود الرسمية القائمة.
لكن الحزب قال في الغرف المغلقة ما أكده السيد نصرالله في خطابه، وهو أنه لن يدخل في أي نقاش حول أزمة الحريري حتى عودته إلى بيروت، وأن الحزب يحدد موقفه بالآتي:
أولاً: إن حزب الله يريد قبل كل شيء آخر، عودة الحريري إلى بيروت، ولن يكون الحزب معنياً بعدها بما يطلقه الحريري من مواقف، وليفعل ما يشاء وليقرر ما يشاء.
ثانياً: إن الحزب لن يعلّق على أيّ موقف يصدر عن الحريري، سواء كان سلبياً أو إيجابياً، وإن الرئيس عون تبلغ تعهد الحزب بعدم الانجرار إلى أي توتر سياسي، لا مع الحريري ولا مع الآخرين.
ثالثاً: إن الحزب متمسك بمواقفه من الجاري في المنطقة والإقليم، لكنه لن يبادر إلى شنّ أي حملة على أي جهة. لكنه لن يصمت عن أي هجوم أو إجراء يتعرض له من هذه الدولة او تلك.
رابعاً: إن الحزب يؤيد بقاء الحكومة الحالية، وإذا تقرر تأليف حكومة جديدة، فإنه سيكون مع بقاء الحريري رئيساً لها.
خامساً: إن الحزب يرفض بصورة مطلقة أي حكومة تكنوقراط، وهو أبلغ إلى الرئيس عون، وإلى جميع القوى في لبنان، بأنه لن يقبل بأي حكومة غير سياسية.
سادساً: إن الحزب يُصرّ على أن يتمثل في أي حكومة من خلال أعضاء حزبيين كما هو الحال اليوم، ولن يقبل بأي تمثيل موارب أو من خلال أصدقاء، وأنه لا يريد خوض معركة على الحقائب، لكنه لن يقبل بأي محاولة تهميش.

حريري جديد؟

وبانتظار عودته إلى بيروت، يشير المتابعون إلى أن الحريري يعطي إشارات متضاربة. لكنه يواجه صعوبة كبيرة لأن يواجه الخطة السعودية في لبنان. والأمر لا يتعلق حصراً بالضغوط السعودية المباشرة عليه، بل أيضاً، بكون العواصم الغربية لا تريد منه الانتقال إلى ضفة أخرى. لكن معاناة الحريري، كما يقول المتابعون، في أن خياراته باتت ضيقة:
- إذا قرر الحريري تبني خطاب الاستقالة وليس ما قاله في المقابلة التلفزيونية، فهذا يعني أنه سيكون في مواجهة القوى والمواقع المحلية التي وقفت إلى جانبه في محنته، والتي وفّرت له التغطية الأساسية لقرار إخراجه «بالقوة» من الرياض. وهذا سينعكس سلباً على علاقاته مع الشركاء في الحكم، كذلك سيكون من الصعب تسويقه أمام جمهوره الذي بات يعرف حقيقة ما تعرّض له في السعودية.
- إذا قرر الحريري تلبية المطالب السعودية، فهذا يعني أنه سيضطر إلى إجراء تغييرات في فريقه، بما يجعله يبعد المقربين الذين قادوا معركة إعادته إلى بيروت، وإلى تقديم العناصر والقيادات التي وصفت بـ«جواسيس الديوان» وعملت مع وزير الحرب السعودية على لبنان ثامر السبهان، وبقية خصوم الحريري لبنانياً وسعودياً.
ــ إذا قرر الحريري مخالفة التوجهات السعودية، فسيجد نفسه أمام تحديات غير مسبوقة لن تنحصر في خصومة كبيرة مع الرياض، بل ستمتد إلى تعريض علاقاته العربية والدولية لانتكاسة كبيرة. وسيعود الحريري ليكون زعيماً محلياً بلا غطاء إقليمي وبلا دور إقليمي أيضاً، عدا عن كونه يعرف أن السعوديين سيلجأون إلى أبشع الطرق في مواجهته، وهو يعلم علم اليقين أن مشروع تولية شقيقه بهاء المسؤولية لم يسقط من التداول بعد، وأن بهاء طلب أخيراً من مساعدين وأصدقاء ومستشارين في العلاقات العامة دراسة متطلبات وجدوى ومخاطر قدومه إلى لبنان ومباشرة العمل السياسي.
ما سبق يعني أن اللبنانيين سيواجهون نسخة جديدة من الحريري، ومصلحته هي في التوصل إلى تسوية توفر له أرضية تبقيه في الحكم، وتساعده على خوض انتخابات نيابية ناجحة، سواء مبكرة كما يؤيده الرئيسان ميشال عون ونبيه بري، أو في موعدها المقرر، خصوصا أن فريقه المحلي نقل له حجم التعاظم في شعبيته خلال المحنة. وهذا يزيد من حراجة الحريري إزاء جدول أعمال النقاش المتوقع بينه وبين الرئيس عون وبقية الأفرقاء اللبنانيين، ولا سيما حزب الله.

المصدر: ابراهيم الأمين - الأخبار