على الرغم من انشغال الرأي العّام في إسرائيل بالإعلان الأمريكيّ عن القدس عاصمةً لإسرائيل، إلّا أنّ صنّاع القرار في تل أبيب، ل ينفكّون عن توجيه التهديدات العلنيّة لإيران، في كلّ ما يتعلّق بترسيخ تواجدها العسكريّ في سوريّة، وفي هذا السياق نقل مُحلّل الشؤون السياسيّة في صحيفة (معاريف) العبريّة، بن كاسبيت، عن دبلوماسيٍّ إسرائيليٍّ رفيعٍ قوله إنّ الكلمة الأخيرة والقرار النهائي في الموضوع لم يتخذ بعد، مُشدّدًا على أنّ الأمريكيين لن يهجروا المنطقة، فهم على علم بأهميتها لعموم الشرق الأوسط، وأيضًا في سياق تطلعهم لتجديد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، على حدّ تعبيره.
ولفت المُحلّل صاحب الباع الطويل في المؤسسة السياسيّة في تل أبيب، لفت إلى أنّ الصحيح أنّه حتى اللحظة تدور الحرب في ظاهر الأمر على نارٍ هادئةٍ، ومن خلال وكلاءٍ وبعنفوانٍ خفيضٍ، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنها في الأساس حرب أعصاب، فإسرائيل، برأيه، تأمل أنْ يفهم الإيرانيون المبدأ، ويسحبوا بمبادرةٍ منهم القوات المحسوبة عليهم من المناطق السوريّة، كما تأمل أيضًا أنْ يفهم الروس أنّ استمرار غضّ النظر عن الأعمال الإيرانيّة من شأنه أنْ يُعرّض مصالحهم في تلك المناطق للخطر أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، قال كاسبيت إنّ إسرائيل تأمل بشدّةٍ أنْ يدرس النظام الأمريكيّ، وبعد أنْ تستقر مواقفه في المنطقة، مجددًا الانسحاب من الشرق الأوسط عمومًا، ومن سوريّة بشكلٍ خاصٍّ، على حدّ تعبيره.
وأردف أنّ الهجمات الإسرائيليّة الأخيرة ضدّ أهدافٍ بسوريّة تثبت أنّ الخطوط الحمراء التي أشارت إليها في الأشهر الأخيرة سارية وقائمة، وأنّها تنوي الوقوف من ورائها واستخدام القوّة العسكريّة في كلّ مرّةٍ يتّم فيها اجتيازها.
ولفت إلى أنّ استنتاجًا واضحًا واحدًا يُمكن استخلاصه من العمليات المنسوبة إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة: التحذيرات الإسرائيليّة جديّة، وأنّها قررت أنْ تمنع بالقوّة اجتياز الخطوط الحمراء التي أقرتها، هاجمت عندما اكتشفت مصنعًا لتحسين دقة الصواريخ والقذائف، وهاجمت عندما اكتشفت قاعدة معدة لاستيعاب ميليشيات شيعية بالقرب من دمشق، لم تتبنّ المسؤولية عن الهجمات، لكن ليس هناك أيّ أحدٍ لديه أوهام بشأن هوية الطائرات المهاجمة.
وزعم المُحلّل أنّه في اللقاءات الأخيرة التي أجراها كلٍّ من نتنياهو وليبرمان مع نظرائهما الروس، أعلنا بشكلٍ قاطعٍ أنّ إسرائيل تحتفظ لنفسها بحريّة التحرك، وأنّها تنوي المهاجمة في كلّ مرّةٍ تُمس فيها مصالحها الأمنيّة. الإسرائيليون، تابع، أيضًا ألمحوا إلى أنّه من الأفضل للروس أنْ يعملوا هم أنفسهم على فرض الوضع القائم وإبعاد الإيرانيين والمساعدة على منع تحويل الصواريخ والقذائف التي يملكها حزب الله لتكون أكثر دقة، إنْ لم تفعلوا ذلك بأنفسكم، قال الإسرائيليون، سنضطر نحن لفعل ذلك بأيدينا.
وتساءل المُحلّل كاسبيت: هل هذه الهجمات يمكنها أنْ تجر الطرفين إلى حرب شاملة؟ الرد يأتي هنا إذا كان ما يزال على الأرض ما يكفي من العناصر الكابحة والمصالح المعكوسة التي من شأنها أنْ تساعد الطرفين على استيعاب الوضع الجديد وكبح الانجرار إلى الحرب، حتى وإنْ اندلعت هنا وهناك بعض المواجهات المحلية.
وتابع: إسرائيل يجب أنْ تأخذ بعين الاعتبار أنّ قدرة إيران وسوريّة على الامتصاص لها حدود، لافتًا إلى أنّ فرضية عمل أخرى هي أنّه في المستقبل إذا ما استمرّت الهجمات، ربمّا تتطوّر سياسة سورية من الأعمال الانتقاميّة ستتجاوز مجرد النيران المتفرقة من الصواريخ المضادّة للطائرات التي لا تصيب شيئًا كما تصرفت سوريّة إلى الآن.
ونقل عن مصادره قولها إنّ السوريين يستطيعون مثلًا أنْ يطلقوا صاروخًا واحدًا باتجاه مقر قيادة الجيش الإسرائيليّ في قيادة الشمال أوْ باتجاه هضبة الجولان. ليست هذه حرب شاملة، لكن ذلك يُمكن أنْ يحرك سلسلة عمليات وردود فعل من شأنها أنْ تتدهور سريعًا، في منطقتنا حدثت أمور مشابهة.
وكشف أنّه بحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيليّة في سوريّة، يوجد الآن حوالي 9000 مقاتل من الميليشيات الشيعيّة بقيادة إيران، يُمكن تأهيلهم في مواقع دائمةٍ ما داموا موجودين في المنطقة ويساعدون الرئيس الأسد على تمكين حكمه وتوسيع سيطرته في الدولة المنهارة. 9000 مقاتل شيعي لا يمثلون تهديدًا من أيّ نوعٍ على قوّة الجيش الإسرائيليّ، غير أنّ المشكلة ليست في الأرقام.
ونقل في هذا السياق عن مسؤولٍ إسرائيليٍّ أمنيٍّ رفيعٍ قوله إنّه يدور الحديث في الحقيقة عن المبدأ، ساعة قيام التواجد يُمكن تعميقه وتركيزه وفيما بعد أيضًا يمكن تقويته، اتخذنا قرارًا بأنّ سوريّة لن تتحوّل إلى قاعدةٍ أماميّةٍ لإيران ضدّ إسرائيل، وسنفعل كلّ ما يجب فعله لكي نعبر عن جديتنا بهذا الشأن، على حدّ تعبيره. واختتم قائلاً: إذن، فالجميع الآن ينتظر ترامب، بينما المبارزة الحمقاء بين خطوات إيران وردود فعل إسرائيل مستمرّة تحت الأرض.
المصدر:
“رأي اليوم”- زهير أندراوس