قرأ خبراء الإعلام الرقمي في التغييرات التي بدأ موقع فيسبوك إجراءها على خوارزميته وطريقة عرضه للأخبار، إشارات قوية باتجاه ما وُصف بأنه دورة جديدة من دورات التغيير الجوهري في محتوى الإعلام الحديث، يحاول فيسبوك أن يصنعها بتدرج سريع.
صحيفة “نيويورك تايمز” وفي تقييمها للانعكاسات التي ستتركها الرؤية التي طرحها الخميس الماضي مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك، على الصحف والمواقع الإخبارية، أشارت إلى أن تغييرات جوهرية ستحدث في سياسات التحرير والإعلان بهذه المنابر الإعلامية، كونها جميعًا أضحت ومنذ عدة سنوات مدمجة في الفيسبوك، وبقية وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد عليها في انتشارها وبالتالي في مواردها الإعلانية.
ونسبت الصحيفة، إلى خبراء في الإعلام الرقمي قناعتهم بأن التحديث كبير للغاية، وسوف يؤثر على جميع الصفحات في الموقع وتحديدًا لأي مستخدم يتصفح فيسبوك كل يوم بين منشوراته وأخباره الجديدة.
ووفق هؤلاء، سيتم التعديل على لائحة الأخبار والمنشورات التي تظهر في صفحة “News Feed”، لتعرض المزيد من منشورات العائلة والأصدقاء والمجموعات التي اشتركت بها، وتقلل كثيرًا من منشورات الصفحات الإخبارية والتجارية والشركات ووسائل الإعلام.
وبالتالي ستؤدي هذه التعديلات الكبيرة إلى تغييرات جوهرية في المحتوى الإخباري التفاعلي للمواقع الإخبارية السياسية والفنية والاجتماعية، التي تظهر على فيسبوك على شريط أخبار المستخدمين.
وقالت “لورا هازارد أوين” من جامعة هارفارد، إنني “أعتقد أن هذا التغيير مهم جدًا، ومن شأنه أن يؤثر بشكل خاص على وسائل الإعلام.. سنلاحظ ظهورًا أقل لمنشورات وسائل الإعلام”.
ويرى خبراء آخرون، أن هذا التحديث سيساهم في عرض محتويات الأقارب والأصدقاء بشكل أكبر، على عكس منشورات صفحات الشركات والعلامات التجارية وكذلك وسائل الإعلام.
وهناك دوافع تجارية لهذا التحديث، بحيث ستضطر صفحات الشركات المذكورة لدفع رسوم مالية لترويج ونشر منشوراتهم على شريط أخبار المستخدمين.
مبررات التحديث
المبرر الظاهري الذي اعتمدته إدارة فيسبوك في عزمها تطبيق تغييرات أولى من نوعها، هي إعطاء الأولوية للروابط الاجتماعية وتقليل الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الموقع.
فهي ستعطي الأولوية للصداقة والعلاقات الأسرية على حساب علاقة جمهور المتابعين بالمشاهير، بحيث تمنح منشورات الأصدقاء وأفراد العائلة الأولوية الأولى للظهور على الصفحة الرئيسية للمستخدم.
وقال زوكربرج، إن المنشورات الخاصة بترويج المنتجات الاستهلاكية والمنظمات الإعلامية، أصبحت تطغى على المنشورات الشخصية التي يسعي مستخدمو الموقع للاستمتاع بمشاركتها.
وأصدر فيسبوك فيديو توضيحيًا، يُظهر الخطوات التي سيتم اتباعها من أجل إثراء التجربة الشخصية للمستخدم وعدم إقحامه في منشورات دعائية تهدف للترويج لمنتجات أو أخبار بعينها.
تغيير جذري في المشهد الإعلامي
وذكر الخبير “ايه موسيري”، أن الصفحات في فيسبوك التابعة للصحف والفضائيات والشركات التجارية سوف تعاني من تغيير كبير، وسيكون هنالك نسبة مشاهدات أقل من السابق بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى أن قدرة هذه الصفحات على الوصول إلى المستخدم سوف تقل أيضًا.
وتشير التقديرات كما عرضتها نيويورك تايمز، إلى أن الناشرين هم أكثر المتضررين من هذا التغير، حيث إنه وبشكل تدريجي قد لا تجد أي رابط خبري أثناء تصفحك فيسبوك.
وقال فيسبوك لبعض الناشرين، إن المحتوى الخاص بمن لديهم سمعة حسنة ومصداقية سيظهر استنادًا إلى خوارزمية جديدة، لكنه لم يحدد هؤلاء الناشرين، ولم يكشف عن ما سيحدث للآخرين أو حتى كيف سيختارهم.
مصالح متشابكة
وأوردت “نيويورك تايمز”، جملة من المبررات الظاهرية والخفية المحتملة لهذه التغييرات، فالتفسير الذى قاله “مارك زوكربيرغ”، هو إنه يريد عودة فيسبوك ليلعب دورًا مهمًا في التواصل الاجتماعي وتقريب العالم معًا.
وأكد أن هناك انهيارًا في المحتوى الاجتماعي”context collapse”، حيث إن الناس ينشرون أقل عن أنفسهم على الموقع، وبالتالي فإن سياق حياتهم الشخصية يختفي، وهذا أمر مثير للقلق بالنسبة لفيس بوك لأنه من المفترض أن يكون حول حياة الناس الشخصية.
ولكن هذا التشخيص مقلق من جهة أخرى أيضًا، فإذا كان الناس لا ينشرون عن أنفسهم، فلن يجد فيسبوك معلومات لبيعها للمعلنين.
غير أن هناك أسبابًا أخرى محتملة للقيام بذلك أيضًا، حيث سيكون بإمكان فيسبوك فرض رسوم أكبر على المعلنين للوصول إلى الأشخاص، لأن التغيير يعني أنه من الصعب الوصول للجمهور بشكل طبيعي.
يشار إلى أن “فيسبوك”، الذي بلغ عدد مستخدميه النشطين شهريًا في عام 2017 أكثر من ملياري حساب، يستخدم خوارزمية معينة وسرية في تشكيل شريط الأخبار، وذلك حسب اهتمامات المستخدم.