قد يُخبرك العديد من القرّاء النَهِمين أن الاتكاء على مخدة بصحبة كتاب ورقي، يُعد شفاءً للعقل، ويبدو أن بعض العلماء يتفقون مع هذا الأمر؛ حيث أشارت دراسة حديثة إلى أن القراءة بإمكانها التخفيف من الاكتئاب.
فبحسب ما نقلته صحيفة الديلي ميل البريطانية، الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018، قد لا تعد القراءة علاجاً، إلا أن الخبراء يعتقدون أنها فعّالة وبإمكانها تخفيف الاعتماد على مضادات الاكتئاب في بعض الحالات، في الوقت الذي حقق فيه أطباء بإنكلترا رقماً قياسياً بإصدار 64.7 مليون روشتة طبية توصي بتناول مضادات للاكتئاب في عام 2016 لمرضى يُعانون الاكتئاب والقلق ونوبات الهلع.
وقد زادت تلك الحصيلة السنوية عن ضعف ما كانت عليه في العقد الماضي، مما يثير مخاوف من أن الأطباء يصفون الأقراص الدوائية بحريّة للمرضى الذين يعانون الاكتئاب وقد يَتحسنون بعلاجات بديلة مثل العلاج بالكلام.
ومع ذلك، قد تكون هناك قوائم انتظار طويلة لدى الخدمات الطبية الوطنية، ويمكن أن تكون القراءة وصفة شفاء مفيدة؛ فقد توصّلت دراستان حديثتان إلى أن المرضى الذين وُصِف لهم القراءة كعلاج للاكتئاب من الدرجة الخفيفة إلى المتوسّطة –وهو ما يُعرف بالعلاج بالكتب- قد شهدوا تحسناً في الحالة المزاجية والصحة النفسية.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، نشر باحثون بجامعة تورينو في إيطاليا تحليلاً لـ10 دراسات عن العلاج بالقراءة. وأظهرت نتائجها، التي نُشرِت في مجلة علم النفس السريري، أن المشاركين في 6 دراسات -على الأقل- شهدوا تحسناً كبيراً في درجة الاكتئاب لمدة تصل إلى 3 سنوات، بعد المشاركة في إحدى دورات العلاج بالقراءة.
ويقول الباحثون: “يبدو أن العلاج بالقراءة فعالٌ في الحدِّ من أعراض الاكتئاب على المدى الطويل، ويمكن أن يكون علاجاً في المُتناول من شأنه تقليص الحاجة إلى الأدوية”.
وتناولت دراسة أخرى أجراها فريق في جامعة جرونينجن بهولندا، ونُشِرت في مجلة PLOS One، العام الماضي (2017)، ما إذا كانت العلاجات غير الدوائية، مثل القراءة، بإمكانها أن تكافح الاكتئاب لدى كبار السن.
وتوصّل الباحثون إلى أن 18 دراسة يرجع تاريخها إلى عقود مضت، تشير إلى أن القراءة بإمكانها تحسين الحالة المزاجية للمتقاعدين. وقد امتد هذا التفكير إلى الطب النفسي العام في عام 2013، عندما نشرت وزارة الصحة البريطانية مشروع برنامج “كُتب على الروشتّة الطبية”.
ويقول المشروع إنه ساعد أكثر من 700.000 شخص ممن يعانون مشكلات تتعلّق بالصحة النفسية منذ انطلاقه، وقد نُصِح 20% منهم باتباع هذا النهج من قِبل ممارسهم العام أو طبيبهم النفسي، بينما انتهجت البقية هذا النهج بأنفسهم بعدما قرأوا بشأن البرنامج.
وتشمل المنشورات العديد من كتب المساعدة الذاتية -مثل كتاب “التغلّب على الاكتئاب” لأستاذ علم النفس بجامعة ديربي بول غيلبرت، وكتاب “العقل يتغلّب على المزاج: تغيير ما تشعر به بتغيير الطريقة التي تفكر بها”.
إلا أن المرضى بإمكانهم أيضاً الاطلاع على أعمال كلاسيكية تحسّن الحالة المزاجية، تشمل أدب الخيال والمسرحيات والشعر الذي يوصي به مرضى الاكتئاب الآخرين، مثل رواية “بولدارك” للمؤلف وينستون غراهام، والتي شهدت نجاحاً كبيراً بتجسيدها على محطة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وتقول الدكتورة ليز بروستر، المحاضِرة في مجال التعليم الطبي بكلية لانكستر الطبية، وقد درست آثار المعالَجة بالكتب على الأمراض العقلية: “إن الكثير من المصابين بالاكتئاب يشعرون بالعزلة، ولكن القراءة عن تجارب الآخرين -حتى لو كانوا خياليين- يمكن أن تعطيهم الأمل، مشروع كتب على الروشتّة هو الخط الأول للعلاج، إما بدلاً عن مضادات الاكتئاب، وإما جنباً إلى جنب معها في الوقت الذي ينتظر فيه المرضى الخضوع للعلاج بالكلام”.
وأشار بحث للطبيبة، أُجري العام الماضي (2017)، إلى أنه حتّى أعمال دراما الجريمة السهلة بإمكانها أن تدعم سلامة مرضى الاكتئاب، بحسب ما أوردته في مجلة العلوم الإنسانية الطبيعية.
والفكرة هي أن القراءة تسبب تغيرات سلوكية من خلال الاستجابات العاطفية للكلمة المكتوبة، بدلاً من التحوّل الكيميائي في المخ والذي قد يسفر عنه الدواء.
ولا يقتصر أثر تحسين المزاج على الكلمة المكتوبة فحسب؛ ففي دراسة أجريت العام الماضي (2017)، نشرتها مجلة علم الأعصاب الأساسي والسريري، تتبع باحثون بجامعة طهران الإيرانية حالات تقلّب المزاج لدى 60 شخصاً مُسنّاً من غير المصابين بالاكتئاب في أثناء الاستماع إلى سلسلة مكوّنة من 8 قصص صوتية. وأظهرت النتائج تحسّناً في الحالة المزاجية، وكان المتطوّعون أقل قلقاً وعدوانية.
يقول البروفيسور كارمين باريانت، من معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب بكلية كينغز في لندن، إن الكتب المطبوعة والمسموعة تعمل بشكل أفضل من البرامج التلفزيونية المشابهة؛ لأن القارئ يتحكم في المدة التي يقضيها في القراءة أو الاستماع..